"دبلوماسية الزلازل" تكسر الجمود في علاقات القاهرة بدمشق

"دبلوماسية الزلازل" تكسر الجمود في علاقات القاهرة بدمشق

"دبلوماسية الزلازل" تكسر الجمود في علاقات القاهرة بدمشق


02/03/2023

تمثل زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى العاصمة السورية دمشق ولقاء نظيره السوري، فيصل المقداد، بالإضافة إلى الرئيس بشار الأسد وعدد من المسؤولين الآخرين، بعد نحو عقد من انقطاع العلاقات الرسمية، لحظة انبعاث جديدة تحتمل أن تكون فرصة لبناء مقاربة سياسية للوضع المأزوم، الأمر الذي تساهم فيه القاهرة من خلال دورها المهم والحيوي وعلاقتها التاريخية وارتباطاتها الجيواستراتيجية.

سوريا والعودة للبيت العربي

هذه الزيارة المصرية لدمشق والتي تلتها زيارة أخرى لتركيا، جاءت ضمن ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الزلازل"، بينما سبقتها تحركات خارجية لافتة، منها وصول رئيس مجلس النواب المصري، حفني جبالي، مع وفد الاتحاد البرلماني العربي الذي شكل خلال اجتماع بغداد، إلى العاصمة السورية، وكذا زيارة رئيس الوزراء إلى قطر. ورغم تصريح وزير الخارجية المصري بأنّ هذه الزيارة لها منطلقات إنسانية تخص كارثة الزلزال، إلا أنّ الدور الدبلوماسي يعكس، إجمالاً، ديناميكية السياسة الخارجية المصرية، والتي تسعى لملء الفضاء السوري المرتهن بقوى عديدة تضعه خارج محيطه العربي.

وفي حين قال رئيس مجلس النواب المصري إنّه من الضرورة عودة سوريا "الحتمية" للمحيط العربي، فقد رفض وزير الخارجية المصري تماماً أيّ إشارة أو حمولة سياسية لزيارته. وكان جبالي قال خلال جلسة لمجلس النواب المصري قبل سفره لدمشق "إنّ سوريا كانت وما زالت ركيزة أساسية للعمل العربي المشترك، وضلعاً محورياً لا غنى عنه لمنظومة الأمن القومي العربي".

الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية مصطفى صلاح

من جهتها، قالت الرئاسة السورية في بيان: "نقل وزير الخارجية المصري سامح شكري للرئيس بشار الأسد خلال لقائه به رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد فيها تضامن مصر مع سوريا واستعدادها لمواصلة دعم السوريين بمواجهة آثار الزلزال، وأبلغه تحيات الرئيس السيسي واعتزازه بالعلاقات التاريخية بين سوريا ومصر، وحرص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك بين البلدين".

وتابع البيان: "بدوره شكر الرئيس الأسد ما قدمته جمهورية مصر العربية من مساعدات لدعم جهود الحكومة السورية في إغاثة المتضررين من الزلزال، وأكد أنّ سوريا حريصة أيضاً على العلاقات التي تربطها مع مصر. يجب النظر دائماً إلى العلاقات السورية المصرية من منظور عام وفي إطار السياق الطبيعي والتاريخي لهذه العلاقات".

رفض مصري لتسييس المساعدات

وشدد وزير الخارجية المصري في دمشق للصحفيين على أنّ "هدف الزيارة إنساني في المقام الأول، ولنقل التضامن على مستوى القيادة والحكومة والشعب المصري مع الشعب السوري"، لافتاً إلى الموقف المصري الثابت تجاه سوريا، وكذا التعاطي مع السوريين على الأراضي المصرية بوصفهم مواطنين وليسوا لاجئين كما في بلدان أخرى. وأكد شكري على أنّ العلاقات السورية المصرية "ركن أساسي في حماية الأقطار العربية"، مشدداً على أنّ "مصر ستكون دائماً مع كل ما يمكن أن يساعد سوريا، وأنّها ستسير قُدماً في كل ما من شأنه خدمة مصالح الشعب السوري".

الزيارة المصرية التي جاءت ضمن "دبلوماسية الزلازل" كانت تتحرى مجموعة من العوامل المحفزة للتحرك تجاه الكثير من الملفات التي يمكن من خلالها الدخول إلى الساحة السورية

وفي ما يخص عودة سوريا لجامعة الدول العربية، رفض شكري الإجابة بالتلميح أو التصريح، وقال: "كما أكدت، نحن على أتم الاستعداد لما لدينا من موارد لتوفير كل سبل الدعم الانساني لمؤازرة أشقائنا في سوريا وسوف يتم بالتنسيق الكامل منذ البداية مع الحكومة السورية وفق الأولويات التي تحددها".

الزيارة المصرية كانت تتحرى مجموعة من العوامل المحفزة للتحرك تجاه الكثير من الملفات التي يمكن من خلالها الدخول إلى الساحة السورية، ثم الوصول إلى صيغ مشتركة من التفاهمات السياسية والإقليمية، وفق الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، الذي أوضح لـ"حفريات" أنّ الزلزال قد سمح بحدوث هذه الانعطافة على خلفية ما شهدته سوريا وتركيا في 6 شباط (فبراير) الماضي، من كارثة إنسانية، وتسريع وتيرة هذا التوجه المصري.

الباحث المصري في العلوم السياسية مصطفى صلاح لـ"حفريات": الزلزال سمح بحدوث هذه الانعطافة على خلفية ما شهدته سوريا من كارثة إنسانية، وتسريع وتيرة هذا التوجه المصري

ويردف: "مصر تحرص، منذ بداية الأزمة السورية، على الانفتاح تجاه سائر الأطراف، كما ترفض تدخل القوى الخارجية في شؤون أي بلد، سواء سوريا أو غيرها. لكن الحضور المصري، مجدداً، بصورة أكثر قبولاً لدى الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة بالأزمة السورية، يعد الأمر اللافت راهناً، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الزيارة الأخيرة مع غيرها من الزيارات سواء من الإمارات، أو الأردن، أو الزيارة التي قام بها بشار الأسد لسلطنة عُمان، هي لترتيب أوراق البيت العربي بغية فتح المجال أمام الوصول لصيغ وتفاهم مشتركة يمكن من خلالها أن تعود سوريا مجدداً لمحيطها الإقليمي، بل يمكن من خلال ذلك استعادة الدول العربي في الأزمة السورية، خاصة وأنّه شهد تراجعاً كبيراً، الأمر الذي نتج عنه انخراط دول مثل تركيا وإيران وروسيا والدول الأوروبية وأمريكا، للاشتباك مع خريطة التفاعلات بالأزمة السورية. وفي النهاية لم تعد دمشق تملك قرارها".

الدور العربي المفقود

والزلزال الذي حدث، مؤخراً، قد يسرع من وتيرة العمل السياسي في ما يتعلق بالدور العربي المفقود بسوريا، لا سيما الدور المصري، وفق صلاح، والذي يؤكد على أهمية الدور المصري الذي يملك خلفيات تاريخية تجعل بمقدوره أن يساهم في عودة سوريا للمحيط العربي، وبالدرجة التي تحافظ على مصالح الأمن القومي العربي.

الزلزال الذي حدث، مؤخراً، قد يسرع من وتيرة العمل السياسي في ما يتعلق بالدور العربي المفقود بسوريا

إلى ذلك، قال عضو مجلس النواب المصري السابق، ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية الدكتور عماد جاد، إنّ "سوريا تدرك جيداً أنّها بحاجة إلى مصر على أكثر من مستوى، سواء من أجل العودة إلى الجامعة العربية، أو للحصول على دعم مهم في المحافل الدولية، خصوصاً في ظل تراجع القدرة الإيرانية على توفير الدعم للسياسة السورية، نتيجة أزمات طهران الداخلية وتعقد علاقاتها مع كثير من القوى الكبرى على الساحة الدولية".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن جاد قوله إنّ المواقف المصرية الأخيرة ركزت بشكل واضح على البعد الإنساني، غير أنّ "أيّ تحركات لتقارب سياسي ترتبط في المقام الأول بالمصالح المتبادلة والوضع الإقليمي، ويمكن أن يكون التقارب الإنساني بداية جيدة، لكن الأمر يتطلب أيضاً تقديم دمشق مؤشرات على تفهمها للمتغيرات الإقليمية والدولية، والتخلي عن النهج المتشدد في المواقف، والذي أدى إلى فقدانها الكثير من علاقاتها العربية في السنوات الماضية".

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، إنّ مصر وسوريا لديهما تاريخ طويل من العلاقات المشتركة. بالتالي، لا يمكن قراءة زيارة شكري خارج هذا الإطار المهم الذي يحكم البلدين. ولا تعد مساعدة مصر الإنسانية لسوريا في أزمة الزلزال أمراً جديداً، بل إنّها تعكس سياسة مصر الثابتة منذ الأزمة السورية، ومن ثم، فإنّ هدف الزيارة حث الدول العربية على تقديم مساعدات إلى سوريا وهو "هدف إنساني بحت بعيداً عن أيّ أهداف سياسية أخرى سوى عودة الاستقرار والأمن".

ويشير ربيع الديهي إلى أنّه ليس هناك انقطاع تام في العلاقات المصرية السورية، ولكن هناك أزمة داخلية تمر بها سوريا والنظام بدمشق، مؤكداً أنّ "طبيعة النظام المصري هو النأي بنفسه بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع دعم الدولة الوطنية ووحدة الجغرافيا السياسية، وهذه هي أهم ثوابت السياسة الخارجية المصرية".

ولمّح الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية، إلى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية قد أعادت ترتيب الملفات الإقليمية والدولية بصور عدة، وقد برز تراجع  الاهتمام الدولي بالملفات الإقليمية المرتبطة بالشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل الدول العربية أمام "فرصة جديدة وجيدة لترتيب البيت العربي والبحث عن ملفات للتعاون المشترك بينهم، ومن ثم حل القضايا المأزومة بعيداً عن التدخلات الدولية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية