"صبي من الجنة".. فيلم عن الصراع بين السياسة والدين

"صبي من الجنة".. فيلم عن الصراع بين السياسة والدين


13/06/2022

حين كان يقرأ رواية “اسم الوردة” للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، خطر على بال المخرج المصري السويدي طارق صالح سؤال ماذا لو صورت قصة من هذا النوع ولكن في سياق إسلامي؟

ومن هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي أثارتها الرواية في عقل المخرج، وجد فيلم “صبي من الجنة” بطولة 3 ممثلين فلسطينيي الأصل وهم توفيق برهوم، محمد بكري، مكرم خوري، والممثل اللبناني فارس فارس، والممثل المصري عمرو مسعد، والسوري شروان حاجي، والتركي يونس البايرك، بالإضافة إلى الممثل التونسي مهدي ذهبي الشهير بمسلسل “مسيح” من إنتاج نتفليكس.

وتعاون طارق صالح مع مدير التصوير بيير أيم، والمونتير ثيس شميدت، ومصمم الإنتاج روجر روزنبرج، ومتخصص المؤثرات البصرية بيتر هورث، وهو فريق العمل نفسه الذي تعاون معه في فيلمه الروائي الأول “حادث النيل هيلتون”.

وتدور أحداث الرواية في أحد الأديرة خلال العصور الوسطى، حيث تتكرر في الدير جرائم قتل مريبة ضحاياها جميعهم من النساء، ويكون التفسير الوحيد للرهبان حول هذه الظاهرة وجود روح شريرة (الشيطان) داخل جدران ديرهم، ولكن رجلا واحدا يشك في وجود شخص ما يقف وراء جميع تلك الجرائم، ذاك الرجل هو راهب ضيف يدعى ويليم من باسكرفيل يتبع الرهبنة الفرانسيسكانية وهو شخص حاد الذكاء سريع البديهة يعتمد على عقله في الإجابة على أي شيء، عمل سابقا محققًا في محاكم التفتيش ولكنه تخلى عن وظيفته تلك بعدما رأى أن مهمة محاكم التفتيش لم تعد فقط إرشاد الناس بل أيضاً معاقبتهم وبوسائل بشعة بعيدة عن روح المسيحية.

أما الفيلم فيتناول قصة آدم وهو نجل صائد سمك، من بلدة ريفية، يحصل على منحة للدراسة في جامعة الأزهر وخلال أول يوم دراسي له يلتقي الطلاب الجدد بالإمام الأكبر، ولكن فجأة يموت شيخ الأزهر أمام طلابه، لتبدأ معركة أخرى بين مساعديه ومعاونيه ليرثوا منصبه الذي يمثل أعلى سلطة دينية إسلامية سُنية في العالم.

ويتطرق الفيلم إلى الصراع الذي يمكن أن ينشأ بعد وفاة الإمام الأكبر، إذ تنطلق بعد وفاته المعركة التي يتنافس فيها رجال الدين، والإخوان المسلمون، وأجهزة أمن الدولة مع الأئمة لقيادة الأزهر. إذ يشكل تعيين خليفة للإمام الأكبر قضية شائكة يرغب الجميع في التدخل بها، واللجوء، دون أي رادع، إلى أي خطوة قد تخدم مصلحتهم، ويرغب جميعهم في تنصيب رجل موال لهم إن لم يكن أحد رجالهم.

ولأنه “غير مرغوب فيه” في بلده، على حدّ قوله، اختار المخرج طارق صالح أن يعمل بديكور يشبه الأزهر، مستندا إلى كلاسيكيات أفلام الإثارة وديكور نادرًا ما يتم اللجوء إليه، عبارة عن مقاهٍ في القاهرة أُنشئت على الطراز الأميركي يلتقي فيها عناصر أمن الدولة والعملاء والجواسيس بجانب الجامعة.

ويقول صالح إنه لم يعد إلى مصر منذ تصوير حادث النيل هيلتون عام 2015 ، عندما أمرته أجهزة الأمن المصرية بمغادرة مصر. منذ ذلك الحين، أصبح شخصاً غير مرغوب فيه سيتم توقيفه حتماً إذا وطأت قدماه الأراضي المصرية.

ولم يتمكن المخرج من التصوير في جامعة الأزهر التي تضم مئات آلاف الطلاب، فلجأ إلى مسجد السليمانية في إسطنبول ذي الهندسة المعمارية، والديكور، المميزين والشبيهين بجامعة الأزهر.

وكان صالح قد تعرّض لموجة انتقاد واسعة إثر عرض فيلمه السابق ”حادث النيل هيلتون“ في العام 2017، والذي حاز على جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان صندانس، ويتحدث عن فساد نظام الشرطة في مصر.

لكنه غير توجهه كليا في فيلم ”صبي من الجنة“ ليركز أكثر على الصراع الحاصل بين القوتين السياسية والدينية محتفظا بنظرته عن بلده الأم، وبتأكيده على أن الفساد لا يمنع وجود أشخاص شرفاء.

ويؤكد المخرج في تصريحاته أنه كان متأكدا من تعرّض الفيلم لانتقادات في مصر نظرا إلى أنه يعالج مسألة تخصّ مؤسسة دينية يرفض انتقادها ومهاجمتها رفضا قاطعا.

لكن المخرج السويدي من أصل مصري اعتبر أن الغرب مهووس بالإسلام وفي الوقت نفسه لا يفهم هذا الدين إطلاقاً.

وفاز صالح بجائزة أفضل سيناريو عن هذا الفيلم في ختام مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الخامسة والسبعين.

وفي خطاب الفوز قال “أهدي هذه الجائزة لمنتجي الأفلام الشباب في مصر لرفع أصواتهم ورواية قصصهم”.

ونال الفيلم إشادة نقدية من مواقع عالمية اتفقت على جرأته في حين انتقده بعض النقاد المصريين عقب عرضه في مهرجان كان وعلى رأسهم الناقد الفني طارق الشناوي الذي وصف الفيلم في مقال له بالمراهقة الفكرية والسذاجة السياسية.

وتعرّض الفيلم لانتقادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث اعتبره البعض محاولةً لانتقاد نظام الحكم في مصر، وتشويه صورة علماء الأزهر وإظهارهم في حالة تصارع دائمة على السلطة، مما يسيء إليهم وإلى الدين الإسلامي. في حين التزام الأزهر الصمت ولم يعلّق على الفيلم سواء بصفة رسمية أو عن طريق أي من الشيوخ المنتسبين إليه.

ويذكر أن رواية “اسم الوردة” التي اقتبس منها الفيلم نشرت لأول مرة باللغة الإيطالية عام 1980 ثم ترجمت إلى الإنجليزية عام 1983، وإلى الكثير من اللغات الأخرى لاحقاً. وقد حققت هذه الرواية نجاحاً كبيراً أدى في نهاية المطاف إلى تجسيد أحداثها في فيلم عام 1986 يحمل اسم الرواية من بطولة الفنان العالمي شون كونري والممثل الأميركي كريستيان سلاتر وإخراج الفرنسي جان جاك آنود. ووصلت مبيعات الرواية إلى أكثر من 50 مليون نسخة، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 80 لغة حول العالم.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية