صحوة بعد غفلة.. فرنسا تكسر أجنحة الإخوان

صحوة بعد غفلة.. فرنسا تكسر أجنحة الإخوان

صحوة بعد غفلة.. فرنسا تكسر أجنحة الإخوان


20/05/2023

طارق أبو السعد

لم يكن الأمر يتطلب أكثر من صحوة أفرزتها لحظة وعي بأن السرطان الذي ينخر جسد فرنسا بحاجة لعملية اجتثاث حينية.

فبعد عقود من السماح للإخوان بالحركة بالمجتمع، اكتشف الفرنسيون خطورة التنظيم على الفرد والمجتمع والدولة، وأنه لا يوجد بلد بمنأى عن الخطر، فقررت باريس الانضمام لقائمة الدول التي تواجه هذه الآفة.

وفي سعيها للحد من توغل الإخوان، قررت السلطات الفرنسية مؤخرًا توجيه ضربة للإرهاب، مستهدفةً شبكات وصناديق تمويل مؤسسات التنظيم في فرنسا.

وقبل أيام، ذكرت صحيفة " لوفيغارو" المحلية أن المديرية العامة للأمن الداخلي (المخابرات الداخلية الفرنسية) حددت ما لا يقل عن 20 صندوق أوقاف مشبوهة ومرتبطة بالإسلام السياسي في فرنسا.

وبحسب الصحيفة، فإن السلطات الفرنسية علقت 8 صناديق من بين الصناديق الـ20، بينهم 4 توصلت إلى دلائل قضائية تستدعي حلها، على غرار "الصندوق الأوروبي للمرأة المسلمة"، و"الصندوق الكندي".

ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله إن البعض احتفظوا بمبالغ في خزائنهم، وفي بعض الأحيان تجاوزت المليون يورو، لافتا إلى أن إجمالي الأموال المجمدة بلغ 25 مليون يورو.

صحوة  

في وقت سابق، دقت شخصيات فرنسية بارزة جرس الإنذار لسياسة التسامح مع عناصر الإخوان الإرهابيين، وأعلنوا في رسالة مفتوحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته جان كاستيكس، ووزير داخليته جيرالد دارمانة، طالبت بحظر تنظيم "مسلمي فرنسا"، الفرع الفرنسي للإخوان.

كما سبق أن حذر حكيم القروي مستشار الرئيس الفرنسي، في أكثر من ندوة ودراسة، من خطر انتشار وتغلغل الإخوان في المجتمع الفرنسي، وارتباطهم ولو بشكل غير مباشر بزيادة العمليات الإرهابية المرتبطة بالتطرف الديني في عدة دول أوروبية بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية.

واستجاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمطالب وقرر "إنهاء" مهام ما يسمى بـ"المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" (غير حكومي) كهيئة للحوار بين الدولة والديانة الإسلامية الذي تأسس عام 2003، وتسيطر عليه الاخوان.

يذكر أن توفير الأئمة للمساجد كان ضمن مهام المجلس، وكانت عناصر التنظيم تتسلل بين أولئك الأئمة للولوج إلى المجتمع الأوروبي.

الحصاد المر

وفي تعقيب على الموضوع، ترى شريفة لموير، الكاتبة والأكاديمية المغربية، أن "ما قامت به السلطات الفرنسية يأتي ضمن سياسات الدولة لتجفيف منابع التنظيم مؤخرًا، وذلك بعد أن ذاقت ويلات احتضان تنظيم الإخوان الإرهابي".

وتقول، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "استمرار تلك السياسة وجديتها سيقلص من قدرات التنظيم ليس في فرنسا فحسب بل في أوروبا كلها.

وأضافت: "أعتقد أن السلطات الفرنسية اليوم أصبحت مدركةً تمامًا لخطر وجود الإخوان وتمددهم في مؤسسات الدولة والمجتمع الفرنسي المدني، وأن دخولها في صدام مباشر مع التنظيم يعني أن المعركة الحقيقية مع الإرهاب والتطرف قد بدأت ولن تتوقف".

ولفتت إلى أنه "في السابق كان يتم التعرض لشخصيات تنتمي للقاعدة أو داعش دون مواجهة البذرة الحقيقية للإرهاب وهو تنظيم الإخوان سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي أو تتبع ورقابة الصناديق المالية".

وبحسب الأكاديمية المغربية، فإنه "مما لا شك فيه أن الإخوان تمركزوا من البداية في فرنسا مستفيدين من مناخ الحريات الذي يتيحه النهج العلماني للدولة، ومن باريس انطلقوا إلى باقي أوروبا، تحت غطاء خطاب الاعتدال والوسطية".

وأشارت إلى أنه "اليوم تم اكتشاف خطأ ترك التنظيم دون رقابة، وبعد ثبات قيامها بتعليم المتطرفين العنف عبر مدارسهم التي أسسوها خلال العقود الثلاث الماضية، وأن عناصر التنظيم الأوروبيين تحديدًا يؤيدون العمليات الإرهابية بالشرق الأوسط، مما يعني أنهم سيؤيدون أي أعمال عنف في الغرب".

وأوضحت أن ذلك "ظهر بعد صدمة اغتيال صموئيل باتي الذي تم قطع رأسه، في أكتوبر/تشرين أول 2020 بكونفلانس سانت أونورين".

كما تجلى الخطر أيضا "بعد تهديد التنظيم الإرهابية للخبيرة الفرنسية فلورنس بيرجود بلاكلر عالمة الأنثروبولوجيا في المركز الفرنسي الوطني للبحوث العلمية، على خلفية إصدارها كتابها (الإخوان وشبكاتهم)، مما يعد تهديدًا صريحًا لقيم المجتمع الفرنسي".

السر في الصندوق

فيما يرى باسل ترجمان، الكاتب والباحث التونسي، أن قيادة فرنسا مؤخرًا لعملية استئصال الإخوان، بعد فترة من غياب سياسة واضحة تجاه التنظيم، سيتعدى تأثيرها إلى باقي دول أوروبا وإلى العديد من الدول الأفريقية".

ويقول ترجمان لـ"العين الإخبارية"، إن "فرنسا -وإن كان ما تقوم به ليس كافيأ - دولة ذات تأثير داخل المجتمع الأوروبي، ومراقبة أموال الإخوان سيؤدي لاكتشاف أخطر أسرارهم، وفضح علاقتها بباقي التنظيمات الإرهابية".

ولفت إلى أن "جرائم الاخوان المخيفة لا يزال الشارع الفرنسي يذكرها، وفرنسا حصدت سياسة العجز والإهمال واللامبالاة التي ميزت سياسة الحكومات في السابق".

و"الآن غيرت فرنسا سياستها"، يتابع الخبير، و"قررت مواجهة التنظيم والقيام بدروها في توفير الأئمة ورعاية الجاليات المسلمة سواء المهاجرة أو الفرنسية -وإن كان بشكل خجول - ولوقف تمدد التنظيم سيكون خطوة تحتاج إلى المزيد من الخطوات فلا يزال التنظيم متوغلا في التجماعات المهاجرة والضواحي الفقيرة ولن يتم استئصالها بسهولة".

ويثمن ترجمان خطوة تجميد أموال الإخوان بقوله إن "سر قوة الإخوان يكمن في التمويل، ومن أراد محاربتهم ووقف شرورهم عليه أن يجفف منابع التمويل، وأن وضع الدولة الفرنسية يدها علي أموال الإخوان أخيرًا، وبعد التأكد من الدلائل القانونية وعدم الشفافية في أوجه صرف تلك الأموال".

ومستدركا: "ولكن هناك تمويل غير رسمي وليس مصرفيا يمكن ضبطه ومراقبته، عبر تكويناتهم وتحصيل الأموال من اتباعهم في مناطق المهاجرين، ولو طبقت الدولة الفرنسية سياسة المراقبة المالية بحزم سيوقف هذا تمدد التنظيم في أوروبا".

ومن ناحية أخرى، يعتبر الخبير أنه "على الدولة مراقبة علمية التجنيد التي تقوم بها التنظيم وتوقفها، وعملية تغيير العرف العام وأسس الدولة الفرنسية المدنية ومواجهتها".

وحذر من أن "التنظيم يعمل عبر مدارسه الإخوانية على غرس أفكاره الإرهابية والمتطرفة بين أتباعه وأبناء الجاليات المسلمة المهاجرة أو المقيمة في فرنسا".

وأكد أن أخطر ما قام به تنظيم الإخوان الإرهابي عبر أفرعه الممتدة، في أفريقيا وأوربا وأسيا، أنه اختزل الإسلام في السلطة والحكم، لتشكل نمطًا فكريًا وسلوكيًا زعمت أنه هو الغاية من الدين الإسلامي، في حين أنه انحراف عن غاية الدين ذاته.

وأشار إلى أنه "تحت غطاء تطبيق النظام الإسلامي، مارسوا كل جرائمهم الأخلاقية والدينية والقانونية، وهددوا أمن وسلامة المجتمعات التي تسامحت مع ممارساتهم المتطرفة" .

عن "العين" الإخبارية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية