عودة "داعش"... احتمال واقع أم واقع محتمل!

عودة "داعش"... احتمال واقع أم واقع محتمل!

عودة "داعش"... احتمال واقع أم واقع محتمل!


28/01/2023

منير أديب

أبدى العالم مؤخراً قلقه الشديد من إمكان عودة"داعش" في العام الحالي 2023، بعد أن نجح التنظيم في شن قرابة 34 عملية عسكرية في الأشهر السبعة الأخيرة، أسفرت عن مقتل قرابة 51 شخصاً. عودة "داعش" المحتملة حملت عنصر المفاجأة رغم ما سبقها من حديث دائم عن نشاط بعض خلايا التنظيم في الرقة والموصل.

هناك حديث دائم عن خطر  "داعش" وإمكان عودته من جديد، ولكن الحديث بات هذه المرة ممزوجاً بالقلق المبرر، حيث نجح التنظيم" في إعادة تنظيم صفوفه مرة ثانية، وبات قوة لا يمكن الإستهانه بها أو التقليل من خطرها، في وقت يُعاني فيه المجتمع الدولي من إنقسام بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، فبدلاً من أن ينشغل العالم بمواجهة خطر التنظيم المتنامي بات مستسلماً لمعاركة البينية.

يُعاني المجتمع الدولي من تقدير غير صائب لقوة "داعش" سواء قبل سقوط دولته التي أقامها في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014 أو بعد سقوط هذه الدولة في 22 آذار (مارس) من العام 2019، وهنا فوجئنا بخلايا التنظيم الخاملة والمختبئة تواجه القوات الأمنية النظامية في العراق وسوريا بالصورة التي أزعجت الولايات المتحدة الأميركية بعد أكثر من ثلاث سنوات من تحرير آخر شبر من مدينة الرقة السورية، وبعد مقتل قرابة ثلاثة خلفاء للتنظيم.

ولعل الأزمة الحقيقية في التقدير الجزافي لقوة "داعش"؛ فدائماً ما نخيب في قراءة هذا التنظيم أو أن التنظيم ينجح في كل مرة في تسويق صورة غير صحيحة عن نفسه، ولعله نجح في ذلك أثناء احتلاله لمدينة الموصل العراقية، فلا ننسى أنه نجح في احتلال المدينة الكبيرة ببضع مئات من مقاتليه وعبر بعض صور القتل والذبح التي وصلت للمقاتلين العراقيين خلال دقائق من دخوله المدينة حتى هرب الجنود من أمامه ظناً منهم أنهم سوف يواجهون جيشاً من المقاتلين، والحقيقة أن أعدادهم لم تتعدَ المئات وليس كما صُوّر أو سوّق عبر إعلامه.

وللمفارقة العجيبة أن واشنطن نجحت في العام 2022 في قتل اثنين من خلفاء التنظيم ومعهما زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في العام نفسه، لنتفاجأ بعد ذلك بأن هناك مؤشرات إلى عودة تنظيم "داعش" في مطلع العام الجاري 2023، وهذا إن دل فإنما يدل على تقدير واشنطن غير الصحيح لقوة التنظيم، ولعل تقديرها لقوته أثناء قيام دولته كان المؤشر الأخطر قبل ذلك، حيث فشل التحالف الدولي الذي شكلته أميركا لمواجهة التنظيم وكان مكوناً من أكثر من ثمانين دولة في القضاء على التنظيم إلا بعد 5 سنوات كاملة، وهو ما يعكس التقدير غير الصحيح لقوته وما استلزم أيضاً وقتاً طويلاً لمواجهته!

أغلب التقارير الإستخبارية تُشير إلى أن التنظيم يمتلك قرابة 10 آلاف مقاتل، وبالتالي لديه القدرة على إعادة مملكته من جديد بهؤلاء المقاتلين، والخطورة الأكبر أن التنظيم يمتلك قدرة غير عادية على تخبئة الصورة الحقيقية عنه، وبتنا نتفاجأ بواقعه وأصبحنا نُعاني شحاً في معرفته ومعرفة التفاصيل الخاصة بتحركاته وما يمتلكة من قوة.

هذه قوة ضاربة للتنظيم يمكن من خلالها أن يُعيد ملكه الزائل، فالتنظيم نجح في احتلال مدينة الموصل ببضع مئات من المقاتلين، ولكنه الآن يمتلك قرابة 10 آلاف مقاتل، ويضاف لهؤلاء المقاتلين أخرون محتملون موجودون في مخيمات خاصة في شمال شرقي سوريا ولعل أشهرها مخيم الهول وروج، حيث وصل عمر الأطفال في المخيم إلى الـ 16 والـ 18، فأطفال الأمس باتوا مقاتلين اليوم، ورغم ذلك لم يتنبهِ المجتمع الدولي لهذه القوة ولم تكن لديه آلية للتعامل معها حتى صدر التقرير المخيف باحتمال عودة التنظيم في العام الحالي.

السؤال المطروح، أين تكون عودة التنظيم المحتملة؟ هل تكون في منطقة الشرق الأوسط مكان المملكة الزائلة؟ كل تقديرات المواقف تذهب إلى أن عودة "داعش" باتت واقعاً محتملاً وليس مجرد احتمال ظني، قد نختلف في شكل العودة ومكانها ولكننا لا نختلف على العودة ذاتها التي ظهرت بوادرها في العمليات العسكرية التي قام بها التنظيم على الأقل خلال الشهور القليلة الماضية.

صحيح أن أفريقيا تمثل البيئة الحاضنة الأهم للتنظيم منذ إعلان سقوطة في بدايات عام 2019 لأسباب ترتبط بالظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها عواصم هذه القارة، فعدم استقرار الحكم في أغلب بلدان القارة انعكس بصورة كبيرة على نشاط التنظيمات المتطرفة وتنظيم "داعش" على وجه التحديد، ويضاف لهذا وذاك ضعف أجهزة الأمن في هذه البلدان وبالتالي سهولة التنقل بين العواصم الأفريقية بأريحية شديدة، وهو ما أدى لنشاط هذه التنظيمات مضاف على هذا وذاك الوضع الاقتصادي المتدهور وغياب أي تنمية قد تأخذ البلاد بعيداً من الإرهاب.

وفي ما يتعلق بظروف القارة السمراء الداخلية، فهناك أسباب أخرى تتعلق ببعض الدول الكبرى ودول أخرى في المحيط الإقليمي المجاور لدول القارة والتي طمعت في نهب ثروات هذه البلدان، فالجميع انصرف إلى تحقيق استفادته السياسية، وبالتالي غاب دور المجتمع الدولي في النهوض بالقارة وتحدياتها بقدر تحقيق هذه الدول لمصالحها.

وهنا يمكن القول إن "داعش" نجح في دعم وجوده داخل قارة أفريقيا وفي العديد من عواصم بلدانها، فقد أعلن العديد من التنظيمات المحلية والإقليمية مبايعته لتنظيم داعش حتى بات التنظيم له وجود داخل القارة الأكثر فقراً وساعدت الأسباب سالفة الذكر في تمركز التنظيم في إفريقيا حتى عاد تهديده من جديد لمنطقة الشرق الأوسط، وهنا يمكن القول: إن خطر التنظيم قادم على إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط التي سبق وتمت هزيمته فيها.

الحديث عن عودة "داعش" لم يعد يحمل سوى قراءة بعض التفاصيل الدقيقة والتي تؤكد كلها أن التنظيم في طريق العودة بعد أن نجح في الإعلان عن ولايات جديدة في شرق أوروبا وقلبها، وللمناسبة هذا الإعلان جاء بعد سقوط دولة التنظيم وهو ما يدفعنا إلى القول إن العودة بمثابة احتمال واقع وليس مجرد واقع محتمل.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية