غيوم الحرب تلبد سماء أوروبا... هل تطال شرق المتوسط ودولاً عربية؟

غيوم الحرب تلبد سماء أوروبا... هل تطال شرق المتوسط ودولاً عربية؟


07/07/2022

تحليق مقاتلات ومروحيات تركية في سماء اليونان قد يكون أمراً اعتيادياً وروتيناً شبه يومي، غير أنّ تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمكانية شنّ حرب ضد اليونان قد يغير مسار تلك الانتهاكات اليومية إلى خراب ودمار، ليس فقط في اليونان ولكن أيضاً في منطقة شرق المتوسط، التي يطلق عليها نظام أردوغان، الذي نصب نفسه ذاتياً خليفة للمسلمين، "مافي وطن" أو "الوطن الأزق" الغني بالهيدروكربونات وموارد الطاقة، ولا سيّما الغاز الطبيعي الذي تتعطش إليه خطوط الأنابيب الأوروبية.

وعلى نحو غير معتاد، اتهم أردوغان، الذي يتحصن خلف دروع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يضم أيضاً اليونان في عضويته، اتّهم أثينا باختراق الأجواء الجوية التركية مؤخراً، ربما ليستبق إعلان الحصاد الشهري لانتهاكات تركيا واختراقاتها التي تجاوزت الـ700 مرة خلال الشهر الماضي، مهدداً باللجوء إلى الحرب، فقد نقل عنه موقع صحيفة "زمان" التركية قوله: "ليس لدينا مشكلة في خوض حرب مع اليونان."

الصراع اليوناني التركي قديم جداً، لدرجة أنّه يكاد يكون جزءاً من الفولكلور الأوروبي، غير أنّ تصعيد الخطاب خلال الأسابيع الماضية كان "حادّاً" و"متطرفاً"، حتى بمعاييره العادية، على حدّ قول أوليفر هارتويتش الصحفي بموقع "نيوز رووم" النيوزيلندي، الذي اعتبر أنّ توقيت تصريحات أردوغان كان "مفاجئاً".

 طبول الحرب

تلويح أردوغان باللجوء إلى الحرب ضد اليونان يأتي في سياق حملة تصعيد، على المستوى الرسمي، ضد الدولة الأوروبية ذات الموقع الاستراتيجي في شرق المتوسط، فقد غرّد الصحفي التركي عبد الله بوتسكارت، مدير وباحث في شبكة الأبحاث والمراقبة في بلدان الشمال الأوروبي، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلاً: إنّ "تركيا تصعّد من حملتها ضد اليونان".

الصراع اليوناني التركي قديم جداً

ونقل بوتسكارت، مؤلف كتاب "تركيا التي أوقفت مسار الديمقراطية"، عن شاغري أرهان مستشار أردوغان قوله علناً في تلفزيون الدولة التركية: إنّ "جزر بحر إيجة، التي شككت حكومة أردوغان في سيادتها مؤخراً، هي في الواقع ملك للأتراك، ووضعها ليس محلّ نزاع على الإطلاق."

 طوق نجاة

قد يحمل اللجوء إلى حرب ضد اليونان طوق نجاة لأردوغان لصرف الانتباه عن السياسة الداخلية القمعية والتضخم الذي خرج مؤخراً عن السيطرة، وقد يعود أردوغان، الذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين، منتصراً حاملاً أكاليل الغار، غير أنّ ذلك لن يؤدي إلا لمزيد من زعزعة الاقتصاد التركي، والمزيد من عزل تركيا داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، على حدّ قول هارتويتش، الذي قال إنّ "الحرب هي آخر شيء تحتاجه أوروبا الآن، أو بالأحرى حرب أخرى، فمع دخولنا الشهر الـ5 من العدوان الروسي على أوكرانيا، ارتفع التضخم، وعادت أزمة اليورو من جديد."

 

على نحو غير معتاد اتهم أردوغان أثينا باختراق الأجواء الجوية التركية مؤخراً مهدداً باللجوء إلى الحرب

 

ووفقاً لهارتويتش، فإنّ الصراع الرامي للسيطرة على شرق البحر المتوسط يعود إلى القرن الـ15، وبالتحديد حين استولى العثمانيون على القسطنطينية عام 1453، وحوّلوا معها الإغريق إلى "أقلية" لعدة قرون تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية، بعد عداءٍ دامٍ مع الإمبراطورية البيزنطية، واستمر العداء حتى بعد استقلال اليونان في 1830، واستمرت معه كذلك محاولات السيطرة على شرق المتوسط.

 وسعي أردوغان لشنّ حرب على اليونان لا يمكن قراءته بمعزل عن محاولاته المستمرة لرسم حدود بحرية وهمية بين تركيا وليبيا، للاستحواذ على أكبر مساحة ممكنة من شرق المتوسط الغني باحتياطات تقدر بإجمالي (286.2) تريليون قدم مكعبة موجودة في أقصى شرق البحر المتوسط، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

وفي حين كان يتساءل الجميع عن الدور الذي تلعبه تركيا وما تزال في ليبيا، كان جواب أردوغان سريعاً عندما وقّع مع حكومة فائز السراج اتفاقية بشأن الحدود البحرية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، غير أنّه لم يدرك أنّ حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة السراج غير مخوّل لها توقيع مثل تلك الاتفاقيات المصيرية، وفقاً لاتفاق الصخيرات، وبالتالي، لم تحظَ الاتفاقية، التي تعتدي على حقوق اليونان، وعلى حدود دول أخرى في المنطقة في المتوسط، باعتراف دولي.

قد يحمل اللجوء إلى حرب ضد اليونان طوق نجاة لأردوغان لصرف الانتباه عن السياسة الداخلية القمعية

مثّل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان نقطة تحول في السياسة التركية، فقد قضت الاتفاقية على أطماع أنقرة في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالموارد الطبيعية وعلى رأسها الغاز الطبيعي، ومحاولاتها رسم حدود بحرية زائفة وغير موجودة بينها وبين ليبيا باتفاق غير دستوري مع السلطات الليبية المؤقتة بقيادة فائز السراج، ومن دونه من بطانة إخوانية مهدت الطريق لعدد من الاتفاقيات غير الدستورية لتسهيل استيلاء تركيا على مقدرات الشعب الليبي وغاز المتوسط.

والحرب مع اليونان ربما تكون الخيار الأوحد لأردوغان لتنفيذ مخططاته بالسيطرة على مكامن الغاز في منطقة شرق المتوسط، التي كانت وما تزال موضوع أنشطة بحثية مختلفة، وتضم حقل ظهر في المياه الإقليمية المصرية، وهو أكبر حقل تم اكتشافه على الإطلاق.

 الجناح الجنوبي وفزاعة روسيا

منطقة شرق المتوسط لم تغب كذلك عن اجتماعات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يضم تركيا أيضاً، في العاصمة الإسبانية مدريد الأسبوع الماضي، على حدّ وصف صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، ولكن هذه المرة تحت مسمّى "الجناح الجنوبي" أو بالأحرى "منطقة البحر المتوسط الكبير" الممتدة من منطقة الساحل الأفريقي إلى الخليج العربي، ومن مضيق باب المندب إلى البحر الأسود، وفقاً للصحفي الإيطالي ماوريتسيو موليناري، الذي رصد، على حدّ زعمه، تحركات روسية صينية "تشكّل مخاطر جسيمة على المجتمع الأوروبي الأطلسي"، في إشارة إلى حلف الناتو.      

 

موليناري: صفقة الناتو مع فنلندا والسويد كانت تمهيداً للحصول على ضوء أخضر لأردوغان للمضي قدماً في إخضاع ليبيا وسوريا للنفوذ التركي

 

 وبالنظر إلى خريطة البحر المتوسط الكبير، التي تمتد عبر (3) قارات، تتجلى المخاوف الرئيسية التي تؤثر على أفريقيا، حيث يتمركز مرتزقة فاغنر الذين يعملون في وئام مع مصالح الكرملين في ليبيا وفي مالي، أمّا السودان، فيعمل على إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر بفضل المساعدات الاقتصادية الروسية الهائلة في الخرطوم، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى يدافع مرتزقة فاغنر عن مناجم الذهب والماس المحلية التي تعتمد عليها الخزائن الوطنية، على حدّ قول موليناري.

وبحسب موليناري، فإنّ امتداد الشبكة العسكرية الروسية في منطقة الساحل، معقل العديد من الجماعات "الجهادية"، ونقطة انطلاق تهريب البشر إلى أوروبا، يشكل خطراً على "البحر المتوسط الكبير"، ويثير مخاوف من إمكانية لجوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استخدام المهاجرين لـ"وضع أوروبا في مأزق"، كما قال بن والاس وزير الدفاع البريطاني مؤخراً.

 ضوء أخضر

صفقة الناتو، التي أبرمها أردوغان مع فنلندا والسويد لضمان عدم اعتراض سبيل انضمامهما للحلف، مقابل تسليم قيادات كردية مطلوبة (نحو 33 كردياً بينهم قيادي متوفى)، كانت تمهيداً للحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية لنظام أردوغان للمضي قُدماً في "إخضاع ليبيا وسوريا لمجال النفوذ التركي"، والحصول على "ظروف أفضل في البحر الأبيض المتوسط من أجل أهداف مشروع "القيادة العثمانية الجديدة" القائمة على موارد شرق المتوسط، على حدّ قول موليناري.

الحرب مع اليونان ربما تكون الخيار الأوحد لأردوغان لتنفيذ مخططاته بالسيطرة على مكامن الغاز في منطقة شرق المتوسط

ورجّح الصحفي الإيطالي أنّ أردوغان سوف يستغل تحسين علاقته بالرئيس الأمريكي جو بايدن ولا سيّما بعد صفقة فنلندا والسويد، للحصول على الكثير من الامتيازات؛ ومنها توريد طائرات الـ F16 وطرد الأكراد الذين يزعم أنّهم مسلحون، أمّا الجائزة الكبرى، فهي غضّ الطرف عن أي عملية عسكرية مستقبلية في المنطقة، ربما تكون شرق المتوسط واليونان التي تشهد انتهاكات شبه يومية في مجالها الجوي، وربما تكون سوريا، حيث يخطط الرئيس التركي لاحتلال مناطق جديدة شمالي سوريا لإقامة ما يُطلق عليه "المنطقة الآمنة" في عمق (30) كليومتراً في الأراضي السورية، وربما يطمح أردوغان للاثنين معاً، حيث الطريق إلى موارد ليبيا يبدأ من الحدود البحرية لليونان.

مواضيع ذات صلة:

حماقات أردوغان جعلت اليونان تكسب الرهان في شرق المتوسط

ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يقطع طريق القرصنة التركية

مكاسب اليونان وقبرص الاقتصادية من الصدام التركي مع مصر والخليج




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية