"فدرلة" السودان... خطوة نحو الحل أم التقسيم؟

"فدرلة" السودان... خطوة نحو الحل أم التقسيم؟

"فدرلة" السودان... خطوة نحو الحل أم التقسيم؟


13/09/2022

في خضم محاولات عدة لتنشيط العملية السياسية المتعثرة في السودان، فاجأت اللجنة التأسيسية لنقابة المحامين السودانيين الأوساط السودانية والإقليمية، وربما الدولية، بصياغة نص مشروع دستور جديد يؤسس لـ"فدرلة" السودان؛ أي تقسيم البلاد إلى مقاطعات وأقاليم تتمتع كلّ منها بالإدارة الذاتية، في خطوة قد تكون مقدمة لتقسيم السودان بناءً على فرز عرقي وديني كذلك، وهو ما أكدته المادة الأولى للمشروع المقترح.

 وبدلاً من العمل على تعزيز التعايش بين الثقافات والعرقيات والطوائف الدينية المختلفة في السودان، نصت المادة الأولى من مشروع الدستور الجديد على أنّ "جمهورية السودان دولة ديمقراطية فيدرالية، تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والمذاهب والأديان".

 و"فدرلة" الأقطار هي انفصال مغلف لأعراقها وطوائفها، يحوّلها إلى مجتمعات لأقليات تتصارع أكثر فأكثر على الجغرافيا وما تحت الثرى، وتجعلها فرصة لاستقطاب متنامٍ من قبل أجندات إقليمية ودولية.

 ووسط مخاوف من تلاشي فرص الانتقال الديمقراطي في غياب الحل السياسي، ظهرت مسودة الدستور الجديد لتمثل تحريكاً للماء الراكد في السودان، إلّا أنّ كلّ المتفاعلين مع ظهورها أدركوا مصطلح "دولة ديمقراطية فيدرالية".

  نافذة أمل

نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي" الرجل الثاني في السودان، رحب أمس بمشروع الدستور الانتقالي، معرباً عن أمله في أن يكون مشروع الدستور "نافذة أمل" لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحلّ الأزمة السودانية، وفقاً لما نقله موقع "أخبار السودان" عن بيان رسمي.

نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"

 وأكد دقلو دعمه لكل الجهود التي تُسهم في التغلّب على المصاعب التي تواجه البلاد، داعياً جميع الأطراف إلى الانخراط وبشكل عاجل في حوار شامل، يفضي إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية بما يحفظ أمن واستقرار البلاد.

 وفي حين رحب دقلو، قائد قوات الدعم السريع في السودان، بمسودة الدستور الجديد، كشف أنّه لم يطلع عليها بعد، فقد نقل عنه موقع "أخبار السودان" قوله: إنّه "سيطلع على ما جاء في مشروع الدستور لإبداء الرأي وتقديم الملاحظات بشأنه".

  إزالة التمكين

في حين كانت "فدرلة" الدولة هي أبرز مساوئ مسودة الدستور الجديد المطروحة، حرصت على تمرير جزء يداعب الوجدان الثوري للسودانيين، وهو إزالة تمكين نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وحزبه من مفاصل الدولة، وفي مقدمتها الجيش والشرطة، فقد نصت على إصلاح  أجهزة القوات المسلحة، والشرطة والمخابرات العامة لـ"ضمان إزالة التمكين فيها"، وتأكيد قوميتها، وانصياعها للسلطة المدنية.

فاجأت اللجنة التأسيسية لنقابة المحامين السودانيين الأوساط السودانية والإقليمية، وربما الدولية، بصياغة نص مشروع دستور جديد يؤسس لفدرلة السودان

 

 ويأتي عزم المسودة أو الإعلان الدستوري، الذي طرحته اللجنة التأسيسية لنقابة المحامين السودانيين، بعد أعوام من مراوغة رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، الذي يرجح كثيرون انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، وتجميده عمل لجنة إزالة التمكين، فقد نقل عنه موقع "السودان اليوم" تأكيده على تفكيك وتصفية بنية نظام الـ30 من حزيران (يونيو) 1989 (نظام البشير)، وإزالة التمكين وإلغاء قوانينه، واسترداد الأصول والأموال المنقولة وغير المنقولة من داخل وخارج السودان وفقاً لما ينظمه القانون.

 قيد النقاش

في حين رحّب المجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير" بجهود اللجنة التأسيسية لنقابة المحامين السودانيين في صياغة ما وصفه بمشروع "الدستور الانتقالي"، أوضح أنّ ذلك المشروع ما يزال قيد النقاش، فقد نقل عنه موقع "السودان اليوم" قوله: إنّ ذلك يأتي "تمهيداً لطرحه على مختلف الأطراف والفاعلين وأصحاب المصلحة بغرض الاتفاق على إعلان دستوري لإدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل قاعدة لتأسيس انتقال مدني ديمقراطي محكم ينهض على أنقاض الانقلاب العسكري".

 ودعا المجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير" كافة المكونات السياسية المدنية الديمقراطية ولجان المقاومة لـ"الانخراط الجاد في نقاش هذه المسودة، وصولاً إلى اتفاق على إطار دستوري يحكم المرحلة الانتقالية ويحقق تطلعات الشعب السوداني في الدولة المدنية الديمقراطية وإنهاء وهزيمة الانقلاب، واستعادة الانتقال الديمقراطي".

 القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان

 وعلى الرغم من إعلان البرهان خروج العسكر من العملية السياسية في تموز (يوليو) الماضي، إلا أنّ المعارضة تعتبر قراراته مجرد "مناورة" سياسية، ولا سيّما أنّه عمل على إعادة كوادر جماعة الإخوان المسلمين وقيادات نظام البشير من الصف الثاني إلى الحكومة بعد قرارات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وفتح المجال السياسي والاقتصادي أمام التنظيم المحظور عن العمل السياسي لـ10 أعوام، وجمّد عمل لجنة "إزالة التمكين"، ممّا ساهم في عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية بقوة عبر واجهات جديدة، أهمها "التيار الإسلامي العريض"، الذي يضم نحو (10) فصائل، تنتمي معظمها إلى تيار الإخوان، ويدين بعضها بالولاء لتنظيم داعش.

 والخميس الماضي، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المكوّن العسكري باتخاذ خطوات جادة للخروج من السياسة وتكوين حكومة انتقالية مدنية.

 مزيد من التشاور

 مسودة الإعلان الدستوري التي صيغت بناءً على مخرجات ورشة عقدتها نقابة المحامين السودانيين الشهر الماضي، ستخضع لمزيد من التشاور، وفقاً لما نقلته "سكاي نيوز" عن قيلوب، رئيس اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.

 وأكد قيلوب وقوف نقابة المحامين على مسافة واحدة من جميع الأطراف الساعية لإنجاز التحول المدني، مشدداً على أنّ جميع مراحل الإعلان الدستوري تجري بمهنية عالية، وبما يعكس الدور الوطني القانوني المناط بالنقابة.

قليوب: مسودة الإعلان الدستوري، التي صيغت بناءً على مخرجات ورشة عقدتها نقابة المحامين السودانيين، ستخضع لمزيد من التشاور

 

 وشارك في صياغة المسودة أو الإعلان الدستوري المطروح طيف واسع من مكونات المجتمع السوداني، من بينهم خبراء في الفقه الدستوري، وبحضور كثيف لرؤساء وممثلي البعثات الدولية والدبلوماسية، على حدّ قول قيلوب.

ترحيب غربي

رحبت الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمشروع "الدستور الانتقالي" الجديد، وأصدرت (9) دول غربية، من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة، بياناً مشتركاً بشأن الإعلان.

 ووصفت هذه الدول مشروع الدستور الجديد بالخطوة الجادة والمشجعة، من أجل تكوين حكومة مدنية مقبولة على نطاق واسع لوضع السودان على طريق الديمقراطية والانتخابات، معتبرة أنّ المبادئ الأساسية التي تم تحديدها في وثيقة الدستور الانتقالي ستكون حاسمة لتحقيق نظام موثوق وفعال للحكم الانتقالي بقيادة مدنية، وسيفتح المجال لاستئناف التعاون والدعم الدولي.

  تظاهرات مليونية

في الوقت الذي تحتفي فيه الأوساط السياسية والدول الغربية بخطوة "الدستور الانتقالي" باعتباره انفراجة في الأزمة السودانية، أعلنت لجان المقاومة السودانية التي تقود الحراك الاحتجاجي في الشارع، عن تظاهرة مليونية اليوم الثلاثاء تتجه نحو القصر الجمهوري بالعاصمة الخرطوم.

 ومن المتوقع أن تلجأ السلطات إلى اتخاذ تدابير استباقية، بإغلاق الجسور والطرق الرئيسية المؤدية إلى قلب الخرطوم، وسط مخاوف من اندلاع المزيد من أعمال العنف في السودان، وفقاً لـ"السودان اليوم".

 وتأتي الدعوة إلى هذه التظاهرة، وهي الأولى في أيلول (سبتمبر) الجاري، مع تصاعد الإضرابات المطلبية في قطاعات مهمة بالدولة، وهي الكهرباء والمستشفيات، وبوادر تقارب وشيك بين القوى السياسية المعارضة في تنسيق العمل المشترك لمناهضة السلطة العسكرية.

 وقد دعت لجان المقاومة في بيان أمس إلى المشاركة في المليونية، تحت شعار تخليد ذكرى شهداء الاحتجاجات، مؤكدة عدم تراجعها عن شعار "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية".

 بالتوازي مع الدعوات إلى المليونية، بدأ الأطباء والعاملون في الكهرباء إضراباً بسبب ما أطلقوا عليه "مماطلة السلطات والتأخير في صرف الرواتب واعتماد هيكل الرواتب الجديد".

مواضيع ذات صلة:

بعد تجدد التوتر بين السودان وإثيوبيا.. ما السيناريوهات المحتملة للأزمة؟

الاتحاد الأفريقي يعلن موقفه من "الآلية الثلاثية" في السودان... ما هو؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية