لماذا لم ينجح الإخوان المسلمون في تجاوز المرحلة الانتقالية؟

لماذا لم ينجح الإخوان المسلمون في تجاوز المرحلة الانتقالية؟

لماذا لم ينجح الإخوان المسلمون في تجاوز المرحلة الانتقالية؟


29/08/2023

ضعفت الأحزاب المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين نتيجة لعقود من القمع وعدم الثقة ونقص التجربة في الحكم، ولم تتمكن في النهاية من تجاوز التوترات التي نشأت بعد عام 2011، بين ضرورة تلبية المطالب الشعبية للثورات العربية، وضرورة الحفاظ على التماسك الإيديولوجي.

وواجهوا صعوبة في الحفاظ على هويتهم الثورية والتوافق في الوقت ذاته مع النخب الحاكمة للتمكن من الوصول إلى السلطة. على الرغم من أنّ هذا كان دائماً أمراً صعباً، إلّا أنّ النتيجة كانت تراجع الحركة وأزمتها بعد الصعود الأوّلي ما بين عامي 2011 و2013.

فقد فقدت جماعة الإخوان المسلمين تدريجياً تأثيرها الإيديولوجي على الأحزاب التي ألهمتها بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر. وابتداء من ذلك العام أدى تزايد التهميش والتفكك إلى التسريع بتدهور الحركة، بحسب ما توصلت إليه دراسة نشرها المركز العربي لدراسات التطرّف، بعنوان "ضائعون في المرحلة الانتقالية: الإخوان المسلمون في عام 2022".

التطور التاريخي للعلاقات بين أحزاب الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين

تعود جذور الإيديولوجيا الخاصة بمعظم أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي تاريخياً إلى ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. في الواقع كانت الأحزاب الأكثر تأثيراً التي نشرت إيديولوجية الإسلام السياسي في العالم العربي مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل اعترفت رمزياً بقيادتها ما بين عامي 1928 و2011.

تعود جذور الإيديولوجيا الخاصة بمعظم أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي تاريخياً إلى ظهور جماعة الإخوان في مصر عام 1928

وبحسب الدراسة، فقد منحت العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين الأحزاب الإسلامية السياسية الرئيسة التأييد السياسي، ووفرت لهم منصة للتنسيق الإقليمي، فضلاً عن شبكة من الدعم لأعضائها. وعلى الرغم من الاحتفاظ بروابط رسمية أو غير رسمية مع قيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، غالباً ما تتمتع أحزاب الإسلام السياسي بدرجة عالية من الاستقلالية، وتظل قادرة على تكييف استراتيجيتها السياسية وفقاً للسياق السياسي الوطني.

صعود وانحدار وأزمة جماعة الإخوان المسلمين

انقسمت مصائر جماعة الإخوان المسلمين على مدى العقد الماضي إلى (3) مراحل مباشرة: الصعود والانحدار والأزمة. ويتم تعريف هذه المراحل بشكل عام بقدرة جماعة الإخوان المسلمين على التأثير في الديناميكيات السياسية في البلدان العربية التي تعمل فيها أحزاب الإسلام السنّي التقليدي، والتي تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين كمصدر رئيس للإلهام الإيديولوجي.

انقسمت مصائر جماعة الإخوان المسلمين على مدى العقد الماضي إلى (3) مراحل مباشرة: الصعود والانحدار والأزمة

وقد اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين، وفقاً للدراسة، شهرة سياسية في كانون الثاني (يناير) 2011، حين اندلعت احتجاجات متتالية في أجزاء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. لقد كانت الحركة في وضع ملائم للمنافسة في الانتخابات التي تلت تنازلات أولية من الأنظمة في مصر وتونس والمغرب والأردن؛ وذلك نظراً لسجلها الطويل في المشاركة الاجتماعية وبناء قاعدة جماهيرية واسعة.

وكانت هذه فرصة فريدة لأحزاب المشروع السياسي الإسلامي كان عليها عدم تفويتها، ولم تفوتها حقيقة. في عامي 2011 و2012 نجحت أحزاب المشروع السياسي الإسلامي ذات الصلات القوية بجماعة الإخوان المسلمين في الحصول على تصويت كافٍ للانضمام إلى التحالفات الحاكمة في مصر وليبيا والمغرب وتونس، وحتى تأمين انتخاب أحد أعضائها رئيساً لمصر.

خلال تلك الفترة، كانت حكومتا قطر وتركيا مؤيدتين أيضاً لأحزاب المشروع السياسي الإسلامي، في حين استمرت الكويت والأردن في تسامحهما التقليدي ضمن حدود سياسية محددة بوضوح. ومع ذلك، على الرغم من تحسن البيئة السياسية، استمرت بعض البلدان في مقاومة أحزاب المشروع السياسي الإسلامي بكل حزم.

وعلى وجه الخصوص، اعتبرت حكومتا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جماعة الإخوان المسلمين تهديداً وجودياً لقابلية استمرارية السياسة وشرعية الأنظمة الحاكمة فيهما.

وكانت الحكومة السورية أيضاً معادية بشكل علني لهذه الأحزاب، ومع ذلك، زادت جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير تأثيرها العقائدي بين أحزاب المشروع السياسي الإسلامي في الفترة ما بين 2011 إلى 2012.

الانحدار: بيئة معادية بشكل متزايد

لفتت الدراسة إلى أنّ تسلم الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي بمصر في تموز (يوليو) 2013 السلطة، أول انتكاسة تواجهها أحزاب الإسلام السياسي، ثم كانت إعادة ضبط العلاقات، بشكل غير رسمي بين مصر وتركيا في عام 2021 أحدث تلك الانتكاسات.

اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين شهرة سياسية في كانون الثاني (يناير) 2011

وقد تسبب ذلك في تباعد الحركات الإسلامية المماثلة عن إيديولوجيا الإخوان المسلمين وشبكاتهم من أجل تجنب مصير حزب الحرية والعدالة المصري، وشجعت السعودية والإمارات على تكثيف سياساتهم المعادية لجماعة الإخوان المسلمين.

واستندت الدراسة إلى دعم الجنرال حفتر في ليبيا لمواجهة الإسلاميين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا جزءاً من التحالف الحاكم في طرابلس. وأصبح موقف السعودية والإمارات المعادي لجماعة الإخوان المسلمين أحد العوامل المحورية في تشكيل التحالفات الإقليمية.

وعلى العكس من ذلك، أخذت تركيا وقطر على عاتقهما دعم جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الإقليمي؛ وذلك في الغالب لتعزيز أجندتهما السياسية، للحصول على مزيد من التأثير في الشرق الأوسط. وتحت رعاية الرئيس التركي أردوغان أعادت جماعة الإخوان المسلمين تنظيم قيادتها.

في الوقت الحاضر تعرضت جماعة الإخوان المسلمين، كمنظمة دينية عابرة للحدود، إلى أضرار جسيمة نتيجة لسجلها الضعيف في الحوكمة في تلك البلدان

خلال تلك الفترة غرقت المنظمة في أزمة سياسية وإيديولوجية وهوياتية، وتمحورت الانقسامات داخل المجموعة حول أفضل استراتيجية للتعامل مع القمع السياسي المتزايد، فقد دعا بعض أعضاء المجموعة إلى التهدئة مع الحكام الحاليين مقابل العمل مع حركات المعارضة على تغيير النظام، في حين دعا آخرون إلى شراكة أكثر وثوقية مع تركيا وقطر.

تلك الاختلافات في الرؤى كلفت الحركة بعض تأثيرها الإيديولوجي كشبكة إقليمية عابرة للحدود، وفشلت في توفير استراتيجية مترابطة. حتى أنّ أحد الذين تمّت مقابلتهم جادل بأنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تعد تمثل قوة ملهمة للإسلام السياسي في العالم العربي أو خارجه، بل أصبحت عبئاً.

الإخوان المسلمون في أزمة وجودية

المركز العربي لدراسات التطرّف أشار إلى أنّ (اتفاق العلا) في كانون الثاني (يناير) 2021 أنهى الحظر الذي فرضته دول الخليج على قطر، ومكّن من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر بشكل غير رسمي في آذار (مارس) 2021.

وسرعان ما أصبح واضحاً أنّ تركيا وقطر كانتا سعيدتين بتقليل دعمهما للإخوان المسلمين من أجل استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والإمارات، وقد طلبت حينها السلطات التركية من القنوات التلفزيونية المرتبطة بالإخوان المسلمين، التي تبث من أراضيها، أن تخفض انتقاداتها للحكومة المصرية.

ثم خلصت الدراسة إلى أنّ مشاكل جماعة الإخوان المسلمين الحالية ـ الانقسام الداخلي والقمع الخارجي ـ ليست سوى عودة إلى الأزمنة السابقة، وأنّه طوال تاريخها تعلمت المنظمة بالطرائق الصعبة كيف تقاوم القمع والتهميش؛ في مصر واجهت الاعتقالات والعداء تحت حكم ناصر والسادات ومبارك على حد سواء.

بشأن الديمقراطية والإسلام، القوة والتوافق

كاتب الدراسة لفت إلى أنّه عندما اندلعت انتفاضات "الربيع العربي" في عام 2011، ورفعت مؤقتاً ستار القمع في عدد من الدول العربية، أصبح واضحاً أنّ جماعة الإخوان المسلمين ليست منظمة متجانسة بشكل كامل، حيث ظهرت على الفور اختلافات عميقة في المواقف والاستراتيجيات حول كيفية نقل أجندة إسلامية من المجتمع إلى مجال الحكم.

وقد زادت هذه الاختلافات من حجمها بشكل كبير في عام 2011، عندما فتح المجال لجماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الإسلام السياسي لاكتساب حصة من السلطة الحاكمة.

هذه الاختلافات الداخلية التي تركز على الأسئلة الأساسية حول أيّ من القيم الإسلامية (أو كلها) يجب أن تحظى بالمركز الأول في الحكم، وما هو قدر الديمقراطية الذي يمكن تحمله ضمن حدودها، تم تضخيمها بشكل أكبر من خلال سؤال حول مدى استعداد أحزاب الإسلام السياسي للتوصل إلى تسويات مع بقايا الـ "الدولة العميقة".

من جهة، قدّمت الانتفاضة العربية فرصة فريدة لعدد من أحزاب الإسلام السياسي للدخول إلى الحكومة، خاصة في مصر وليبيا والمغرب وتونس، ومن جهة أخرى، تتطلب إدارة الحكومة توافقات مع الأطراف السياسية وغير السياسية مثل القوى العسكرية والأحزاب العلمانية.

وعلى الرغم من المناقشات الشرسة داخل صفوفها، لم تتمكن القيادة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين من تطوير موقف موحد بشأن مبادئها وممارساتها في التعامل مع الأحزاب غير الإسلامية أو النخب الحاكمة القائمة.

داخلياً، أدى ذلك إلى تأثير عكسي، وجعل الحركة معتدلة جداً بالنسبة إلى المتشددين، ومتطرفة جداً بالنسبة إلى المعتدلين، وبالتالي لم يحقق رضا أيّ منهما.

وفي الوقت الحاضر، تعرّضت جماعة الإخوان المسلمين، كمنظمة دينية عابرة للحدود، إلى أضرار جسيمة ـ سواء عن صواب أو عن خطأ ـ نتيجة لسجلها الضعيف في الحوكمة في تلك البلدان التي تمكنت فيها أحزاب الإسلام السياسي من الحصول على السلطة (مصر وتونس)، في حين أنّها لم تتمكن من الخروج من المنطقة المظلمة (منطقة الشك) بين التوافق البراغماتي والثبات المبدئي.

عرض المستقبل مقابل الطلب على أحزاب الحركة الإسلامية

إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أنّ أحزاب الحركة الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين حققت في الأعوام الأخيرة أكبر نجاحاتها الانتخابية، عندما استطاعت تقديم نفسها بمصداقية كحركة معارضة للنخبة، لكن عندما حصلت على السلطة، كان عليها التوصل إلى توافق مع الأحزاب السياسية الأخرى والمراكز الرئيسة للسلطة (مثل النظام الملكي والجيش وبيروقراطية الدولة).

وقد أدى عدم قدرتها على إقناع جمهورها بمنطق القيام بذلك إلى إدراك الناخبين بسرعة أنّ الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين هي جزء من النظام القديم. وبالإضافة إلى مشكلة العلاقة هذه مع قواعدها الشعبية، واجهت أحزاب الحركة الإسلامية أيضاً مشكلة في أداء الحكم.

وارتقت الأحزاب ذات الصلة بجماعة الإخوان المسلمين على خلفية وعودها بتحسين الحكم عن طريق مكافحة الفساد والفجور والمحسوبية، ولكن عندما حصلت على السلطة وواجهت مشاكل ولم تقدّم ما كان متوقعاً منها، انتقل الناخبون بسرعة إلى أحزاب أخرى.

 

مواضيع ذات صلة:

صحافة الإخوان: النظام السري لتوجيه الرأي العام

- ما بين السندي ومحمد كمال.. جماعة الإخوان إذ تقدم قرابين الخلاص!

كيف يقدس الإخوان المسلمون حسن البنا ؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية