هل ستهب رياح "هدنة جدة" برداً وسلاماً على الخرطوم؟

هل ستهب رياح "هدنة جدة" برداً وسلاماً على الخرطوم؟

هل ستهب رياح "هدنة جدة" برداً وسلاماً على الخرطوم؟


23/05/2023

فيما يتواصل القتال في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، أبرم الطرفان المتحاربان، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اتفاق هدنة (إعلان جدة) بمدينة جدة السعودية في 20 أيار (مايو) الجاري؛ حيث أعلنت كل من الولايات المتحدة والسعودية في بيان مشترك مساء السبت الماضي أنّ مُمثّلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وافقوا على وقف لإطلاق النار مدّته أسبوع، على أن يدخل حيِّز التنفيذ ليلة الإثنين 22 أيار (مايو)، وذلك بهدف تحقيق وقف إطلاق نار قصير الأمد، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية وتسهيل عمليات الإجلاء والامتناع عن الاستحواذ واحترام وحماية كافة المرافق العامة، كالمرافق الطبية، والمستشفيات، ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.

ويخضع الاتفاق، القابل للتجديد بموافقة الطرفين، للرقابة من قبل لجنة تضم بجانب طرفي الوساطة ممثلين من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتتولى القيام بأعمال التنسيق والاتصال المنتظم والمباشر مع قيادتي الطرفين المتحاربين، وكل ما من شأنه تحقيق الالتزام  بمبادئ الهدنة.

أشار الاتفاق إلى أنّ هناك محادثات قادمة ستُجرى في مدينة جدة السعودية وستركز على ما سمّاها الخطوات الإضافية اللازمة لتحسين الظروف الأمنية والإنسانية للمدنيين

وأشار الاتفاق إلى أنّ هناك محادثات قادمة ستُجرى في مدينة جدة السعودية، وستركز على ما سمّاها الخطوات الإضافية اللازمة لتحسين الظروف الأمنية والإنسانية للمدنيين، مثل إخلاء المراكز الحضرية من القوات، بما في ذلك منازل المدنيين، وتسريع إزالة العوائق أمام حرية حركة المدنيين والجهات الفاعلة في المجال الإنساني، وتمكين الموظفين العموميين من استئناف واجباتهم الاعتيادية، بجانب الخطوات اللازمة للتوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية، من أجل الانتقال إلى عملية سياسية لاستئناف الانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.

خطوة مهمّة

واعتبر مراقبون (إعلان جدة) خطوة مهمّة واختباراً حقيقياً لرغبة وجدية الطرفين في إنهاء حرب مستمرة منذ زهاء (5) أسابيع، وشكّك بعضهم في إمكانية التزام الطرفين بالهدنة؛ بسبب مصاعب حقيقية على الأرض، بجانب بعض النصوص الغامضة والفضفاضة التي تضمنها الاتفاق وإمكانية استغلالها لخرقه.

يُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي التي دبرت وخططت لهذه الحرب

إلّا أنّ محللين متابعين للأزمة السودانية أشاروا إلى توفر إرادة دولية وإقليمية لإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن وإعادة الأوضاع إلى نصابها الصحيح؛ لأنّ اتساع رقعة الحرب ودخول السودان في حرب أهلية شاملة سيؤدي إلى تهديد الأمن الدولي والإقليمي، وسيشجع على الهجرة غير النظامية وانتشار التطرف والإرهاب في الرقعة الجغرافية الممتدة من القرن الأفريقي إلى منطقة الساحل بغرب أفريقيا، وأنّ إمكانية إيقاف الحرب باتت أكثر إلحاحاً من ذي قبل.

من يقف وراء الحرب؟

إلى ذلك، يُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في حزب المؤتمر الوطني الذي أطاحت به ثورة شعبية في نيسان (أبريل) 2019 هي التي دبرت وخططت لهذه الحرب، لتحول دون توقيع الاتفاق السياسي والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تحقق شعارات الثورة.

يرى مراقبون أنّ جماعة الإخوان هي التي دبرت وخططت لهذه الحرب، لتحول دون توقيع الاتفاق السياسي والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تحقق شعارات الثورة

وهذا ما أشار إليه القيادي الإخواني اللواء متقاعد (أنس عمر) في اعتراف له بثه عبر مقطع فيديو عقب أسره من قبل مفرزة من قوات الدعم السريع، حيث اعترف بأنّ جماعته كانت تخطط منذ وقت مبكر لإطاحة حكومة عبد الله حمدوك بالتنسيق مع قيادة الجيش، وكان ذلك واضحاً من خطابات وبيانات كثيرة بثها الرجل نفسه قبل اندلاع الحرب تؤكد أنّهم سيطلقون سراح الرئيس السابق عمر البشير ورفاقه، وأنّ أوان الانقلاب قد حان، لذلك تجد الحرب الراهنة بطرفيها رفضاً وإدانة واسعة من الشعب السوداني والأحزاب المدنية التي تسعى لتأسيس نظام ديمقراطي مدني.

وفي هذا السياق، رحب المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بالسودان باتفاق وقف إطلاق النار، وقد دعا السفير الأمريكي بالخرطوم طرفي النزاع إلى احترام الاتفاق.

التزامات وتعهدات

الاتفاق وقّع عليه عن الجيش اللواء محجوب بشرى وعن الدعم السريع العميد عمر حمدان، ونصّ على احتفاظ كلّ طرف بمواقع سيطرته، وحصل على تعهد من الطرفين بإيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية وسحب القوات من المرافق العامة، وتسهيل المرور الآمن لمقدمي المساعدات الإنسانية، بما يسمح بتدفق المساعدات دون عوائق من موانئ الدخول إلى المحتاجين، مع حظر الهجمات والقصف الجوي بالطائرات والمدافع الثقيلة والطائرات المسيّرة، ومنع أعمال التجسس والاعتقالات وأخذ الرهائن واستخدام المواطنين دروعاً بشرية، وسمح للطرفين بتوريد المواد غير القتالية والتحركات الإدارية ذات الصلة داخل مناطق سيطرة كل طرف، وحث على ضرورة تمكين الموظفين العموميين من استئناف أعمالهم، وشدد على ضرورة مواصلة التفاوض من أجل تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، والانتقال إلى عملية سياسية لاستئناف التحول إلى عملية سياسية للانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.

منصب إداري

من جهة أخرى، لم تؤثر القرارات التي أصدرها قائد الجيش، مع قرب التوصل إلى اتفاق جدة الأخير، بإقالة قائد الدعم السريع من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، على سير المفاوضات وعلى إبرام الاتفاق.

وكان عبد الفتاح البرهان قد عين رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار في منصب نائب رئيس مجلس السيادة، بعد أن أبعد عنه محمد حمدان (حميدتي) في خطوة لإفقاده مشروعيته الدستورية، وهذا الأمر قلل منه كثيرون، باعتبار أنّ المنصب نفسه إداري وليس دستورياً، إذ لا تنص عليه الوثيقة الدستورية الحاكمة، وقد تمّت تسمية حميدتي فيه بأوامر إدارية، وليس بنص دستوري، وبالتالي لا يترتب عليه أيّ التزامات دستورية أو قانونية، لكن لم يصدر البرهان قراراً بتجريد نائبه السابق من رتبته العسكرية حتى بعد تصنيفه متمرداً، الأمر الذي فسره البعض بأنّ الرجل يرغب في التفاوض والعودة بالأمور إلى ما كانت عليه، وأنّ إقالته من منصب صوري إداري محض مناورة تكتيكية للضغط على قائد قوات الدعم السريع لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في أيّ اتفاق يتم إبرامه نتيجة للمحادثات الجارية في جدة. 

موجات نزوح

أسفر القتال الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن تشريد نحو مليون شخص من منازلهم وقتل وإصابة وأسر المئات من المدنيين والعسكريين.

وكشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأسبوع المنصرم أنّ نحو (843) ألف شخص نزحوا داخل البلاد، ونحو (250) ألفاً فروا خارجها، خاصة إلى جمهورية مصر العربية التي استقبلت نحو (110) آلاف شخص منذ اندلاع الصراع الشهر الماضي.

مواضيع ذات صلة:

حميدتي: قوات الدعم السريع ليست منفلتة... ولا خوف من التدخلات الخارجية

- الإخوان في السودان... بيانات الفتنة تستمر

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية