‪كيف يجند الإخوان أعضاء النظام الخاص السري؟‬‬

يمتلك الإخوان منهجاً تجنيدياً خاصاً لأعضاء النظام السري (الخاص)، يعتمد بشكل كبير على الانتقائية، والتربية العسكرية، والتدريبات الأمنية، وهو أسلوب قد تميز بالتعقيد الشديد، والدقة البالغة، كما أنّ العضو لا يكتسب العضوية الكاملة إلّا بعد فترة طويلة من التكوين تشمل العديد من الاختبارات الدقيقة، وقد اقتبسته من جماعة الإخوان تنظيمات أخرى أقلّ منها عدداً وخبرة.

المكوّنون للعمل التجنيدي

شكّل الإخوان جماعة یُسمّون (المكوّنون) یتخصصون في العمل التجنيدي واختيار أعضاء النظام الخاص، كما ورد في حكم المحكمة وھي تستعرض الأوراق المضبوطة في قضية السيارة الجيب: "یقابل المكوّن الشخص (المرشح للانضمام إلى النظام) على انفراد في مكان محدد كمنزل، ویكون الضوء مناسباً، بحیث یكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص، ویتم التكوین في عدة جلسات؛ الجلسة الأولى: التعارف، وفیھا یكون السؤال عن نواحي الجھاد والأنشطة التي یشترك فیھا الفرد والأعمال التي ساھم فیھا، مع النصح بالعدول عن المكیفات إذا كان الشخص من المتعودین علیھا. الجلسة الثانیة: روحیة، تشمل تلاوة القرآن والمأثورات والصلاة، مع تأكید الثقة التامة بالقيادة، وسؤال شخصي عن عمل ما، لاستيضاح مدى اقتناعه بمشروعیة العمل، وتوجیھات خاصة بالكتمان والصمت والطاعة وحسن تكييف الأمور، وتغطیة المواقف والھرب من التورط، وأمّا الجلسة الثالثة، فتتم فیھا التوجیھات اللازمة عند تأدیة العمل بأن یكون الشخص طبیعیاً، ولا یتكلف عندما یحمل شيئاً أو یقوم بعمل، وأن یفكر سلفاً في كل حركة یقوم بھا مع ضرب الأمثلة لكل حالة بقصة، ثم تكلیف الشخص بكتابة وصیته، ویسلمھا للقائم بالتكوین. وفي الجلسة الرابعة یتم الاختبار بتكلیف صامت وفي مكان ناء مع تكلیف شخص آخر بمراقبته. وفي الجلسة الخامسة یكلف الشخص بعمل له، ويتم تقييم العبرة من التكلیف والنتائج والعلاج على ضوء الجلسات السابقة، وفي حالة النجاح في الاختبار السابق یقدم الشخص".

وفي كتاب محمود عبد الحليم (الإخوان أحداث صنعت التاريخ) أسلوبان من أساليب التجنيد لأعضاء النظام الخاص للإخوان المسلمين؛ الأوّل عند بداية التكوين، وكان الأسلوب المتبع هو أن يرتبط بالأخ عبد الرحمن السندي، بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش المسلم في تنظيم الاخوان، كل من يرى الرأي نفسه ويشعر بالشعور نفسه، ويجب الارتباط بالجيش المسلم الذي يجري إعداده لأداء فريضة الجهاد.

تطور بعد ذلك أسلوب تجنيد الأعضاء بعد استكمال البناء التنظيمي للنظام الخاص، فأحد أفراد الجيش يرشح شخصاً يرى من روحه من يناسب التجنيد ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا، مرفقاً به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح، مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية، وطباعه البارزة، وميوله الحزبية وثقافته.

شكّل الإخوان جماعة یُسمّون (المكوّنون) یتخصصون في العمل التجنيدي واختيار أعضاء النظام الخاص

يقول عضو النظام الخاص محمود الصباغ في مذكراته: تبدأ بعد ذلك مرحلة التكوين للعضو الذي تم تجنيده للانضمام إلى النظام الخاص، وتتكون هذه المرحلة من (4) خطوات، مدة كل منها (15) أسبوعاً، تتضمن الأولى دروساً في المحاسبة وكتابة التقارير، ودراسة السلاح، وطريقة جمع الأخبار، ودروساً في القرآن الكريم، والإسعافات الأولية، وتدريباً رياضياً، وبعد الانتهاء من الدراسة تعقد القيادة امتحاناً في ما ورد فيها، ينقل الناجحون فيه إلى المرحلة الثانية في التكوين وتشمل دراسة قانونية، ودراسة عملية وتطبيقية في مجال رسم الخرائط وتقدير المسافات ودراسة البوصلة، إضافة إلى بعض التدريبات الرياضية والروحية. ويجري امتحان ينتقل من يجتازه إلى المرحلة الثالثة التي تشمل تعليم قيادة الدراجة النارية والسيارة والإسعاف وتدريبات رياضية، ودراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم ورسم خارطة جغرافية لها وبيان الأبنية المهمة تفصيلياً. كذلك يجري امتحان يؤهل من اجتازه للمرحلة الرابعة التي تشمل قيام كل فرد من أفرادها بحصر قوات الشرطة في قسم معين، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية لمدينة القاهرة، وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها بعضها بالبعض الآخر، ومسالكها، ومواصلاتها، وكيفية مهاجمة مكان ما، ودراسة حربية، ودروساً في القانون وتدريبات رياضية ودراسة في التعقب يقوم بها كل فرد. ثم يعقد امتحان يكون من اجتازه قد اكتسب العضوية الكاملة في التنظيم الخاص للإخوان المسلمين.

هيكل النظام الخاص

يوضح الصباغ في مذكراته أنّ هيكل النظام الخاص العنقودي عبارة عن جیش من (3) ھیئات: القیادة، والأركان، والجنود، وتتكون القیادة من مجلس مكوّن من (10) أشخاص مھمتھا دراسة طرق التنفیذ لما یصل من خطط صادرة من الأركان، وتنفیذ كل ما ھو ممكن عمله، وإصدار بیانات یشترك فیھا جمیع الأعضاء، وبیان الصعوبات القائمة في طریق تنفیذ ما یراه المجلس غیر قابل للتنفیذ، كما أنّ من وظیفة ھذا المجلس الإشراف التام على أحوال الجند والاطمئنان على دوام قوتھم المعنویة وذلك بدارسة التقاریر التي تصل عن كل فرد أو كل مجموعة.

يتم إلزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر، وإلّا تعرّض للموت

وينقسم عناصر النظام الخاص في وقت السلم إلى (3) أنواع؛ الأول یمكن أن یكون بعیداً عن النشاط الظاھري، وھذا النوع یجب أن ینقطع انقطاعاً تاماً، ویمكن تكلیفه بدراسات أكثر اتساعاً وبأعمال أكثر خطورة، والنوع الثاني لا یبتعد عن النشاط الظاھري ویكون معدّاً ولا یستخدم أبداً إلا وقت الحرب العلنیة.

ومن خلال ما سبق توجد الملاحظات التالية: إنّ عملية التكوين لعضو النظام الخاص تشمل الجوانب الروحية والاجتماعية والنفسية بالنسبة إلى الشخص المرشح للانضمام إلى العضوية، وذلك بحيث يتم دمج العضو في الجماعة دمجاً كاملاً، كما أنّ هذه المرحلة تتسم باكتسابه العديد من المهارات الرياضية والعسكرية وجمع المعلومات والأخبار وإعداد التقارير. وتتسم بطول الفترة، فمرحلة التكوين تتم خلال (60) أسبوعاً تسبقها مرحلة الاختبار، وهي تستغرق حوالي (8) أسابيع، فإجمالي هذه الفترة حوالي (68) أسبوعاً، أي حوالي عام ونصف العام، وهي فترة طويلة يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة وللعديد من الاختبارات الدقيقة، النظرية والعملية.

كما يتم إلزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر، وإلّا تعرّض للموت، وقد جاء في هذا الصدد أنّ أيّ خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو بسوء قصد، يُعرّض صاحبه للإعدام، وإخلاء مسؤولية الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة، ويتم إلزامه كذلك بالثقة التامة في قيادته المباشرة.

وما نصل إليه هو أنّ أسلوب التجنيد السياسي لأعضاء جماعة الإخوان، سواء في محيطها العام أو النظام الخاص، يتمثل في تعدد أساليب التجنيد السياسي للأعضاء وتطورها بما يتناسب ومراحل تطور الجماعة، سواء بالنسبة إلى مستوى الدعوة العامة العلنية أو مستوى التنظيم الخاص السري، الأمر الذي يعني توافر الخبرات التنظيمية ذات الكفاءة والفعّالة لدى الجماعة.

كما أنّ التجنيد للتنظيم العسكري في مفهوم الإخوان لا يتوقف عند إبداء العضو رغبته في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مرحلة قد تطول أو تقصر بحسب نوع العضوية التي سيرشح لها العضو الراغب في الانضمام، يتعرّض خلالها العضو المرشح لإعداد فكري ونفسي وبدني ومهاراتي يتناسب ونوع العضوية المرشح لها ودرجتها.

والأهم أن عملية تكوين العضو المرشح للجناح العسكري الخاص تبدأ بمحاولة دمجه دمجاً كاملاً في الجماعة، وتتم هذه العملية على مراحل بحيث يشعر العضو أنّ هذا أمر طبيعي.

مواضيع ذات صلة:

- كيف أعاد سيد قطب النظام الخاص لجماعة الإخوان؟

- التأصيل الفكري لنشأة النظام الخاص