إجراءات صارمة... كيف ستكون المواجهة الفرنسية مع جماعة الإخوان؟

إجراءات صارمة... كيف ستكون المواجهة الفرنسية مع جماعة الإخوان؟

إجراءات صارمة... كيف ستكون المواجهة الفرنسية مع جماعة الإخوان؟


30/05/2024

شرعت فرنسا منذ أعوام قليلة في مواجهة حاسمة مع تنظيم الإخوان، فرضت خلالها رقابة صارمة على الأنشطة ومصادر التمويل، وذلك في ضوء تحذيرات ومخاوف أمنية واستخباراتية متوالية من خطر استمرار التنظيم وانتشاره على الأراضي الفرنسية، وكانت فرنسا قد شهدت قبيل ذلك عدة حوادث إرهابية ارتبطت، وفق التحقيقات، بجماعات وتنظيمات إسلامية متطرفة، في القلب منها جماعة الإخوان. 

مؤخراً، فتحت الحكومة الفرنسية تحقيقاً، هو الأول من نوعه، حول الإسلام السياسي والإخوان في البلاد، وقامت الحكومة بتكليف وزراء الداخلية والخارجية ووزير أوروبا للشؤون الخارجية السفير فرانسوا غوييت والمحافظ باسكال كورتاد بمهمة تقييم حركة الإخوان في فرنسا وعلاقاتها مع الفروع الأوروبية الأخرى، بعد أن تبين أنّها تلعب دوراً رئيسياً في نشر هذا النظام الفكري.

وأشارت السلطات الفرنسية، وفق بيان، إلى أنّها أسندت إلى وزير الداخلية مهمة التحقيق للتثبت من جماعة الإخوان في فرنسا، من حيث خطابها وروابطها وهياكلها وأنشطتها، على أن يتم تسليم التقرير لرئيس الجمهورية الخريف القادم.

كيف انعكس القرار على الإخوان؟ 

ترى عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي نتالي جوليه أنّ قرار الحكومة الفرنسية يمثل نقطة تحول مهمّة في تعاملها مع التأثيرات الخارجية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من التهديد المحتمل للجماعة على القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية المتمثلة في العلمانية والتماسك الاجتماعي.

بحسب تحليل مطول نشره موقع (تريندز للبحوث والاستشارات) لـ"جوليه"، يأتي هذا التحقيق عقب سلسلة من الإجراءات الحازمة التي اتخذتها السلطات الفرنسية، من بينها اتخاذ وزير الداخلية قراراً بطرد دعاة الكراهية، وإعلان وزير التعليم حظر ارتداء العباءة في المدارس. 

وبينما يمثّل موضوع التأثيرات الخارجية هاجساً للأوساط السياسية عشية الانتخابات الأوروبية والأمريكية، تشير هذه الإجراءات إلى وجود وعي متزايد بضرورة مواجهة الإيديولوجيات الخارجية التي تتعارض مع مبادئ الجمهورية.

وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين

ويهدف التحقيق، وفق الباحثة السياسية الفرنسية، إلى معالجة الخطر المتصاعد للتطرف عن طريق تحديد الشبكات المالية وتفكيكها، والتعاون مع الشركاء الأوروبيين، ورصد أنشطة جمع الأموال. وعلاوة على ذلك تؤكد الجهود المبذولة لمكافحة الفكر المتطرف الذي ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الحاجة إلى اعتماد نهج موحد، والأهم من ذلك أنّ هذا المسعى يعطي الأولوية للأمن والوحدة الوطنية، ويدعم في الوقت نفسه حرية العبادة لجميع الأديان، مع التأكيد أنّ التركيز هو على حماية المواطنين، بمن فيهم المجتمع المسلم، ممّن يمثلون تهديداً للأمن الوطني. 

ومع اجتياز فرنسا هذه المرحلة المعقدة، فإنّها تؤكد مجدداً التزامها بحماية الجمهورية وقيمها ضد التحديات الداخلية والخارجية.

خطر الإخوان

كانت السلطات الفرنسية قد أجرت في أيار (مايو) العام الماضي تحقيقاً موسعاً حول مصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وكشفت صحيفة (الفيغارو) الفرنسية عن بعض تفاصيله نقلاً عن مصادر أمنية لم تعلن عن هويتها. 

وكانت الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسية قد تعرفت حينها على حوالي (20) صندوق هبات خاص اعتبرت أنّها تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة، وقام وزير الداخلية جيرالد دارمانين بإطلاق التحقيق على نطاق واسع حول هذه الصناديق منذ خريف 2021، بعد صدور قانون مكافحة الانفصالية الذي ينص على احترام مبادئ الجمهورية.

 

نتالي جوليه:  قرار الحكومة الفرنسية يمثل نقطة تحول مهمّة في تعاملها مع التأثيرات الخارجية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من التهديد المحتمل للجماعة على القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية المتمثلة في العلمانية والتماسك الاجتماعي.

 

وكشفت التسريبات الخاصة بالتحقيق أنّ هذه الصناديق تمّ إنشاؤها منذ عام 2008 بجمع تمويلات خاصة، نظراً لأنّ صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات، وقام الإسلام السياسي باستغلالها لتمويل نشاطاته المختلفة بعيداً عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة، وفق ما أوردته صحيفة (مونت كارلو). 

وتعتبر نتالي جوليه جماعة الإخوان المسلمين تمثل خطراً حقيقياً، واحتواء تأثيرها هو أحد الأهداف الأساسية للتحقيق الذي يشمل الكشف عن شبكاتها المالية وتفكيكها، وضمان التعاون مع الشركاء الأوروبيين من أجل اتباع نهج موحد، والمراقبة الدقيقة لنشاطات جمع التبرعات.

ويجب أن تشمل المهمة أيضاً كبح شبكات التمويل المتمثلة في الرابطات والمؤسسات، وضمان تناغم الضوابط الأوروبية عن طريق تدقيق عمليات جمع الأموال؛ وتجدر الإشارة إلى مؤسسة مثيرة للجدل تُعرف بارتباطها بالإخوان المسلمين، وفق التحليل. 

وتُنفَّذ عملية "جمع الضرائب" الخاصة بها في جميع أنحاء باريس من خلال الإعلانات عن التبرعات، وهذا يسلط الضوء على إمكانية إساءة استخدام التبرعات والحاجة إلى تشديد الضوابط، ومن المسلَّم به، وفق جوليه، أنّ هذه الأموال استُخدمت لأغراض الدعاية في أفريقيا، وأنّ الأموال التي تُجمع في فرنسا تُستخدم لقتال جيوشنا ميدانيّاً ونشر المشاعر المعادية لفرنسا.

خارطة الإخوان داخل فرنسا

تضم فرنسا، وفق (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات)، أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، ويقّدر عدد المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أنّ الغالبية الساحقة من مسلمي فرنسا هم من دول المغرب العربي ونسبتهم (82%) من مجمل مسلمي فرنسا؛ (43.2%) من الجزائر، و(27.5%) من المغرب، و(11.4%) من تونس، و(9.3%) من أفريقيا جنوب الصحراء، و(8.6%) من تركيا، و(0.1%) فرنسيون تحولوا إلى الإسلام، نحو (70,000) تحولوا إلى الإسلام. 

وعملت جماعة الإخوان على تكوين إمبراطورية مالية وفكرية منذ عام 1978، بهدف تعميق تواجدها وتعزيز نفوذها في المجتمع الفرنسي، كما ارتبط التنظيم بعلاقة مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا.

كذلك تضم فرنسا أكثر من (250) جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منها (51) جمعية تعمل لصالح الإخوان، بالإضافة إلى التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا وجمعية الإيمان والممارسة ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة. 

هذه الجمعيات تمارس نشاطاً سياسياً وتعمل لصالح الجماعات المطرفة، ويُعدّ اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أو (مسلمو فرنسا) حالياً من ضمن أكثر الاتحادات المؤثرة في فرنسا، والذي تأسس في إقليم مورت وموزيل في حزيران (يونيو) 1983.

مواجهة متأخرة

وكانت فرنسا قد عززت خلال عامي 2021 و2022 من جهودها في مجالي القوانين والتشريعات استكمالاً لقانون "تعزيز قيم الجمهورية"، في إجراء عدّه مراقبون جاء متأخراً لمواجهة النشاط المتطرف للإخوان وغيرها من التنظيمات. 

 

دراسة: عملت جماعة الإخوان على تكوين إمبراطورية مالية وفكرية منذ عام 1978، بهدف تعميق تواجدها وتعزيز نفوذها في المجتمع الفرنسي، وقد ارتبط التنظيم بعلاقة مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا.

 

وكشفت الحكومة الفرنسية في 5 نيسان (أبريل) 2021 عن مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الإنترنت كـ (واتساب) و (سيغنال) و (تيليغرام) باستخدام الخوارزميات، وتوسيع استخدام أجهزة الاستخبارات الفرنسية للخوارزميات لتعقب الإرهابيين المحتملين. وقدمت وزارة الداخلية الفرنسية في 28 نيسان (أبريل) 2021 أمام مجلس الوزراء مشروع قانون جديد مؤلف من (19) بنداً حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ويستند على ترسانة من التدابير القائمة بالأساس.

كما أطلقت الحكومة الفرنسية منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) في 5 شباط (فبراير) 2022 ليكون بمثابة المحاور الرسمي بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين. وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أنّ منتدى الإسلام في فرنسا يهدف إلى بدء "مرحلة جديدة في الحوار بين السلطات العامة والعقيدة الإسلامية"، ليحل محل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) وتصحيح بعض عيوبه، على وجه التحديد من خلال توسيع أصحاب المصلحة المعنيين، بدلاً من وجود هيئة مركزية واحدة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية