الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونصرة غزة: جعجعة إخوانية بلا طحن؟

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونصرة غزة: جعجعة إخوانية بلا طحن؟

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونصرة غزة: جعجعة إخوانية بلا طحن؟


06/05/2024

في حوار مع موقع (الجزيرة نت) أجراه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، وُجِّه إليه سؤال يقول: "أصبح دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يقتصر على بيانات التأييد والمعارضة، رغم عضويته الواسعة من علماء وخطباء ودعاة في العالمين العربي والإسلامي، فماذا كان دور الاتحاد في تحريك الشارع تجاه حرب غزة؟".

وأجاب الرجل بقوله عمّا وصفه بالدور المهم للاتحاد: "صدرت مجموعة من البيانات، وكذلك فتاوى مؤثرة وخاصة الفتوى الجامعة التي أصدرناها بوجوب الدفاع والحماية والوقاية وبذل كل الجهود ووجوب المقاومة، ووجوب كل في مكانه من الحكام من حيث قدراتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، والشعوب كذلك، فكان لهذا البيان الذي أصدرناه تأثير كبير".

ثم تحدث الرجل عن عدّة مشاريع إغاثية كبرى لنصرة أهل غزة، وقدرها بحمولة (100) سفينة إغاثة، واليوم مع اقتراب الشهر الرابع على حديثه لم يفعل ممّا وعد به أيّ شيء، بينما يستمر الاتحاد في التشدق بدعم ونصرة أهل غزة.

ظاهرة صوتية

ووفق ما قاله، فمن إنجازات الاتحاد لدعم أهل غزة مجموعة من الفتاوى الدينية من رجال الدين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وبيانات صدرت باسم الاتحاد تدعو إلى الإضرابات والتظاهر، وعقد مؤتمر باسم "غزة" في العاصمة القطرية، الدوحة.

يُضاف إلى ذلك قيام القره داغي بمجموعة من الجولات الدولية لدول إسلامية لنصرة أهل غزة، وفق زعمه، ومن بين هذه الدول تركيا وماليزيا وأفغانستان وأوزباكستان.

جولات رئيس الاتحاد العالمي المحسوب على الإخوان المسلمين باسم نصرة غزة كانت كفيلة، لو وُجهت للهلال الأحمر الفلسطيني والمصري، بالمساهمة في سدّ جزء من احتياجات أهل القطاع.

وللمفارقة، فدولتا أفغانستان وأوزباكستان اللتان زارهما القره داغي بحثاً عن نصرة غزة لا تملكان ما تقدّمانه؛ فالأولى في حاجة ماسة إلى العون الإنساني، وتخضع لحكم سلطة حركة طالبان الرجعية التي يمثّل وجودها تشويهاً لقضايا العالم الإسلامي.

أمّا أوزباكستان، فهي دولة في وسط آسيا، ولم تكن في حاجة لزيارة من القره داغي لإعلان تضامنها مع القضية الفلسطينية، فقبيل زيارة الرجل تبرعت حكومتها بمبلغ (1.5) مليون دولار لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا).

والدولة الثالثة التي زارها القره داغي (3) مرات بحثاً عن نصرة أهل غزة هي تركيا، التي لم تقطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل إلا حين رفضت الأخيرة قيامها بإسقاط مساعدات غذائية جوية على القطاع. 

ومنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى مطلع أيّار (مايو) الجاري، أي نحو (7) أشهر ظلت تركيا تزود إسرائيل بكافة المنتجات التي بحسب مراقبين يدخل بعضها في الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

(أما كان الأولى توجيه نفقات عقد المؤتمرات لدعم أهل غزة؟)

وفي الحوار ادّعى الأمين العام لما يُعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنّ هذا النشاط كان له كبير الأثر في تحريك الشارع العربي لنصرة غزة والخروج في مسيرات تضامنية وغير ذلك، وكأنّ الشارع العربي لم يسمع بالقضية من قبل حتى صدرت عدة فتاوى وبيانات عبر صفحات منصات التواصل الاجتماعي.

سفن القره داغي الـ (100) 

وكان القره داغي قد كشف عن خطة كبرى لنصرة أهل غزة في حواره السابق، وقال: "خلال الأيام القادمة سنطرح على دول إسلامية كبرى مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا عدة مشاريع لدعم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أننا طرحنا على الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط فكرة أننا نحن في الاتحاد مستعدون لترتيب وتجهيز (50) سفينة كبيرة محملة بالمواد الغذائية والطبية وخدمات الإيواء للشعب الفلسطيني، وذلك من خلال علاقاتنا مع المؤسسات الإسلامية الخيرية والعالمية، ونحن جاهزون لتنفيذ هذا المشروع".

مرّ (110) أيام على خطة الاتحاد المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين لتقديم السفن إلى الدول التي تطل على البحر المتوسط، وهو التعميم الذي لا يُفهم منه سوى التضليل، حيث لن تصل مساعدات إلى القطاع إلا عبر معبر رفح البري، أو الميناء الذي أعلنت الإدارة الأمريكية عن البدء في إنشائه.

وحديث تضليلي آخر قاله القره داغي، حين قال: "طالبنا الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط بحماية هذه السفن، وأرسلنا لبعض رؤساء الدول ووزراء الشؤون الإسلامية رسائل مباشرة وطالبناهم بحماية سفن المساعدات. وعندما ذهبت إلى ماليزيا كان يبدو أنّهم سمعوا بهذه المبادرة، وأخبرونا أنّهم مستعدون لإرسال وحماية (50) سفينة أخرى ليكون مجمل السفن (100) سفينة محملة بالمساعدات".

وعلى ما يبدو فخطة القره داغي والاتحاد كان المقصود منها ألّا تُنفذ، فهي بمثابة فتنة يُراد منها أمرين؛ الأول اتّهام الدول التي تطل على البحر المتوسط وتحديداً مصر بأنّها لا تريد تقديم يد العون لإيصال المساعدات المزعومة، والثاني محاولة لجرّ البلدان إلى خطوة أقلّ ما توصف به أنّها خطوة "حمقاء" تؤدي إلى اشتعال المنطقة بالحرب.

لكنّ ما فات القره داغي وجماعة الإخوان المسلمين أنّ منطقهم وحديثهم الذي لا يستحق سوى وصف "الصبياني" لا يلقى اهتماماً من مصر التي تتعامل مع الحرب في غزة وفق هدف أساسي، وهو وقف الحرب وتجنيب المنطقة المزيد من التصعيد الذي سيدفع ثمنه الملايين.

كان الأولى بالاتحاد والإخوان المسلمين، إن كانوا صادقين، أن يرسلوا المساعدات المزعومة إلى مصر من خلال أيّ وسيلة ممكنة لتقوم مصر بإدخالها إلى القطاع وفق الآلية المتبعة.

كما أنّ حديث القره داغي عن اللجوء إلى ماليزيا وإندونيسيا لا يختلف عن رحلاته إلى أفغانستان وأوزباكستان، ويكشف عن قرار دول المنطقة بعدم استقباله أو استقبال وفود من الاتحاد، نظراً لدورهما في تأليب الرأي العام ضد الحكومات العربية، بهدف تحقيق مكاسب لجماعة الإخوان على حساب آمن واستقرار مئات الملايين من البشر.

التجارة بدماء غزة

أمّا عن أهم توصية خرج بها مؤتمر (غزة) السالف الذكر الذي نظمه الاتحاد، فكان "اقتراح ذهاب علماء من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأنا أوّلهم، إلى رفح، ومن ثم الدخول لقطاع غزة، حتى لو كلفنا ذلك الشهادة فهي شرف لنا، وهذا أول إجراء سيتم تطبيقه بعد ترتيب الأمور مع مصر"، وفق حديث الأمين العام للاتحاد القره داغي.

وخلال المدة البالغة نحو (110) أيام على تعهدات رئيس الاتحاد بإرسال (100) سفينة مساعدات غذائية وطبية لأهل غزة، عاش القطاع وما زال أصعب مراحل الأزمة الإنسانية، إلى حد التحذيرات الأممية من اقتراب حدوث مجاعة في مناطق الشمال بشكل خاص.

وبينما يعاني الشعب الفلسطيني في غزة من خطر المجاعة، لم يفعل الاتحاد المحسوب على أكثر التنظيمات متاجرةً بأهل غزة، وهم الإخوان المسلمون، سوى إطلاق الوعود ونشر البيان تلو الآخر. 

(مفتي سلطنة عُمان وخالد مشعل والقره داغي)

وكان الأولى بالاتحاد والإخوان المسلمين إن كانوا صادقين أنّ يرسلوا المساعدات المزعومة إلى مصر من خلال أيّ وسيلة ممكنة، لتقوم مصر بإدخالها إلى القطاع وفق الآلية المتبعة، والتي بفضلها تم إدخال عشرات الآلاف من الأطنان التي أنقذت حياة مئات الآلاف من سكان غزة.

وللمفارقة، فإنّ دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تسلم يوماً من تطاول الاتحاد والإخوان المسلمين، تحتل المركز الثاني بعد مصر في حجم المساعدات الإنسانية والطبية المقدمة لقطاع غزة.

وتتعاون أبو ظبي والقاهرة في الجسر الجوي الذي يُسقط المساعدات على المناطق الأشد احتياجاً في شمال قطاع غزة، ومقابل ذلك لا يقدّم الإخوان المسلمون في الاتحاد سوى الشعارات الرنانة.

ومفارقة ثانية هي أنّ النفقات الكبيرة لجولات رئيس الاتحاد العالمي المحسوب على الإخوان المسلمين باسم نصرة غزة كانت كفيلة، لو وُجّهت للهلال الأحمر الفلسطيني والمصري، بالمساهمة في سدّ جزء من احتياجات أهل القطاع. 

والحال نفسه ينطبق على مؤتمر نصرة غزة الذي لم يسمع به سكان القطاع أو غيرهم، ولو كانت كل تلك النفقات وُجهت للجهات التي توفر الدعم لأهل غزة، لكان للاتحاد دور يُذكر في نصرة قضية طالما تاجر بها.

والأمر الأكيد أنّ الخصومة السياسية للإخوان المسلمين والجهات التي تمثّلهم مع مصر تفوق ادعاءهم نصرة أهل غزة، فها هم أولاء يفضلون أن يحجبوا مساعداتهم، بينما يفقد العشرات أرواحهم من الجوع في قطاع غزة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية