برنامج إيران النووي تاريخ من التناقضات والتعهدات المبتورة

برنامج إيران النووي تاريخ من التناقضات والتعهدات المبتورة


21/02/2021

إيليانا داغر

من أبرز سمات البرنامج النووي الإيراني في سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبارة "أقرت إيران بفشلها في..."، التي تكاد تحضر في معظم تقارير الوكالة، بسبب إخفاء طهران تفاصيل كثيرة عن مشروعها النووي الذي يرى فيه الغرب سعياً لإنتاج قنبلة نووية، على الرغم من تأكيدات إيران المستمرة بأن برنامجها سلمي ويهدف إلى إنتاج الطاقة والاستخدام العلمي والبحثي فقط. وفي أحدث موقف متناقض مع ما صمدت عليه طهران خلال السنوات الماضية، تصريح لوزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، في التاسع من فبراير (شباط)، لوح فيه بأن "الضغط الغربي المستمر يمكن أن يدفع طهران إلى الدفاع عن النفس مثل قط محاصر، والسعي لحيازة أسلحة نووية".

تصريح علوي هذا اعتُبر بمثابة تلويح باستعداد إيران للتراجع عن موقفها بشأن الأسلحة النووية، الذي لطالما أكدت سلميته مستشهدةً بفتوى أصدرها في أوائل الألفية الثانية المرشد الأعلى في البلاد، علي خامنئي، تحرّم تطوير هذه الأسلحة أو استخدامها. وفيما وضع البعض التصريح في إطار التصعيد لدفع الإدارة الأميركية إلى العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إلا أنه جاء ليعزز المخاوف الغربية من الأهداف الإيرانية، التي تراكمت بفعل "نمط الإخفاء" الذي اتبعته طهران على مدى أعوام طويلة في التعاطي مع هذا الملف، فضلاً عن التناقضات بين تعهداتها وأنشطتها.

انطلاقة إيران النووية

تعود انطلاقة البرنامج النووي الإيراني إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي، الذي أراد إنتاج الطاقة النووية كمدخل لتأسيس اقتصاد صناعي متطور، من دون أن يخفي في مناسبات عدة طموح بلاده في امتلاك سلاح نووي. الخطوة الأولى في البرنامج جاءت عام 1957، مع توقيع واشنطن وطهران اتفاقاً للتعاون في الأغراض النووية المدنية، ضمن إطار برنامج "تسخير الذرة من أجل السلام". وبعد 10 سنوات، منحت الولايات المتحدة مركز البحوث النووية في جامعة طهران مفاعلاً نووياً بقدرة خمسة ميغاواط، وزودته باليورانيوم المخصب بدرجة 93 في المئة اللازم لتشغيله للأغراض البحثية، وهي درجة تخصيب مستخدمة في إنتاج الأسلحة النووية.  

وسعياً لإطلاق برنامجها النووي المدني، وقعت إيران عام 1968 معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من وفاء الدول بالتزاماتها. وفي السنوات التالية، وقعت إيران اتفاقات عدة بمليارات الدولارات لتحقيق برنامجها النووي وتأهيل علمائها للعمل فيه، شملت تعاوناً مع أميركا ودول أوروبية لبناء مفاعلات نووية.

غير أن نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، جمد مؤقتاً العمل في البرنامج النووي، إذ اعتبرت القيادة الجديدة أن كلفته مرتفعة جداً، ويجعل إيران رهن الاعتماد على التكنولوجيا والموارد الغربية، لكن الحرب مع العراق بين عامي 1980 و1988، دفعت الزعيم الأعلى الإيراني، الموسوي الخميني، إلى إعادة تشغيل البرنامج، فأكملت البلاد بناء منشآتها بالتعاون مع روسيا بشكل أساس، بعدما أوقفت الدول الغربية تعاونها مع إيران عقب الثورة.

انكشاف الأنشطة السرية

في أغسطس (آب) 2002، كشف "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" المعارض، عن منشأتين نوويتين قيد الإنشاء لم تعلن عنهما طهران سابقاً، هما منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، التي أُنشئ جزء منها تحت الأرض، ومفاعل المياه الثقيلة في أراك. بالتزامن، اتهمت واشنطن طهران بامتلاك برنامج سري لإنتاج الأسلحة النووية.

في الوهلة الأولى، نفى المسؤولون الإيرانيون وجود مثل هذا النشاط، ورفضوا السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة وتفتيش المنشآت الجديدة. وبين رفض لم يستمر طويلاً وتهديد بإحالة ملفها إلى مجلس الأمن الدولي، اضطرت إيران إلى كشف أجزاء من مشروعها للوكالة اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2002.

في 22 فبراير 2003، زار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حينذاك، محمد البرادعي، منشأتي نطنز وأراك. وتحت وطأة الضغوط الدولية، سمحت طهران للوكالة، في الأشهر اللاحقة من العام نفسه، بتفتيش منشآتها النووية وأخذ عينات منها، ما أثبت أنه خلافاً لنفيها المتكرر، فإن إيران أقدمت على تجارب شملت مراحل عديدة لتخصيب اليورانيوم سراً على مدى نحو 19 عاماً.

إقرار بعد 18 عاماً

وجاء تقرير الوكالة في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، ليفضح جزءاً من البرنامج النووي لطهران، التي أقرت بأنها كانت تسعى لإثراء اليورانيوم محلياً، وبأنها أجرت تجارب لتحويل اليورانيوم مستخدمةً مواد أنتجتها في إطار تجارب مختبرية وتطبيقية بين عامي 1981 و1993 من دون أن تُبلغ الوكالة بها، وبأنها سعت إلى إنتاج معدن اليورانيوم لاستخدامه في برنامج الإثراء بالليزر، وليس لإنتاج مواد التدريع فقط كما قالت سابقاً. كما اعترفت إيران بإجرائها تجارب لفصل البلوتونيوم، وباستخدام كمية من سادس فلوريد اليورانيوم زعمت سابقاً أنها تبخرت، وبتركيبها معدات ليزر استوردتھا في عامي 1992 و2000، وبإجرائها تجارب لإثراء اليورانيوم بالليزر باستخدام يورانيوم طبيعي مستورد لم تعلن عنه.

وذكر تقرير 10 نوفمبر، أن إيران "أقرت بأنها عكفت طوال 18 عاماً على تطوير برنامج لإثراء اليورانيوم بالطرد المركزي وطوال 12 عاماً على تطوير برنامج للإثراء بالليزر"، وسلمت بأنها "أنتجت كميات ضئيلة من اليورانيوم الشديد الإثراء... وبأنها أخفقت في التبليغ عن عدد كبير من أنشطة التحويل والتصنيع والتشعيع التي انطوت على مواد نووية، بما في ذلك فصل كمية ضئيلة من البلوتونيوم". وفيما خلُصت الوكالة في تقريرها حينها إلى أنه لم يتوافر حتى تاريخه دليل على أن تجارب إيران المكتشفة تعلقت ببرنامج تسلح نووي، إلا أنها أكدت أنه نظراً لـ"نمط الإخفاء" الذي اتبعته طهران، فإن الوكالة لا تستطيع التأكيد أن برنامج إيران النووي "مخصص حصراً للأغراض السلمية".

تعهدات خوفاً وخروقات عمداً  

تعمدت إيران إخفاء برنامجها النووي، باعتراف حسن روحاني، الذي تولى بين عامي 2003 و2005 منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، وبرر إخفاء بلاده لبرنامجها بهواجس كانت تعتريها من عرقلة البلدان الغربية لمشروعها.

ولم تقر طهران بأنشطتها النووية ولم تبدأ التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا سعياً لقطع الطريق أمام بحث قضيتها في مجلس الأمن الدولي. ولهذا الغرض، خاضت إيران مفاوضات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أسفرت في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، عما عُرف بـ"اتفاق سعد أباد" نسبة إلى القصر الذي جرت فيه المفاوضات شمال طهران، وتعهدت بموجبه إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم وأنشطة إعادة المعالجة، وبالتوقيع على البروتوكول الإضافي والتصرف وفقاً لأحكامه طواعية إلى حين دخوله حيز التنفيذ (وقعته لاحقاً في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2003)، وبتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بجميع تفاصيل أنشطتها النووية، مقابل اعتراف الدول الأوروبية بحق إيران بتخصيب اليورانيوم والسعي إلى التوصل إلى "ضمانات مرضية" بشأن برنامجها النووي.

لكن التفاؤل بتعاون إيران لم يدم طويلاً، ففي الرابع من أكتوبر 2004، شدّد وزيرا خارجية بريطانيا وألمانيا على ضرورة احترام طهران لتعهداتها بشأن تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم. وقال وزير الخارجية البريطاني حينها، جاك سترو، إن الإيرانيين وعدوا في أكتوبر 2003 بتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم، ولكنهم عادوا إلى إطلاق العملية، معتبراً أن "ذلك يسيء إلى ثقة الأسرة الدولية في نوايا إيران". وبينما اتُهمت الحكومة الإيرانية في الداخل بتقديم تنازلات كبيرة لـ"الترويكا الأوروبية"، اتُّهمت خارجاً بخرق تعهداتها ومواصلة أنشطة متعلقة بتخصيب اليورانيوم وعدم التعاون مع الوكالة الدولية، وما كان أمام الغرب سوى طلب تطمينات أخرى تثبت التزام طهران تعهداتها.

انهيار المفاوضات والكشف عن "فوردو"

وفي مسعى جديد لبناء الثقة، وعلى وقع التهديد بالعقوبات، وقّعت إيران مع الدول الأوروبية الثلاث، في 15 نوفمبر 2004، "اتفاق باريس"، الذي تعهدت فيه طهران مجدداً بوقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم بشكل طوعي، ريثما يتم التوصل إلى حل طويل الأمد لبرنامجها النووي عبر القنوات الدبلوماسية، بعيداً عن مجلس الأمن الدولي. لكن عملية بناء الثقة لم تدم طويلاً، ففيما زادت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصدر مجلس حكام الوكالة، في 29 نوفمبر 2004، بياناً انتقد فيه "مواصلة إيران بعض أنشطتها النووية"، ومنها إنتاج غاز "سداسي فلوريد اليورانيوم" (UF6) حتى 22 نوفمبر.

وبين التأكيد على وقف عمليات تخصيب اليورانيوم والكشف عن أنشطة ظلت مخفيةً على الوكالة الدولية، توصل الجانب الأوروبي المفاوض إلى أن إيران تنتهج سياسةً متناقضةً خلافاً لتعهداتها السابقة، ففي حين أعلنت وقف أنشطة التخصيب، أكدت الوكالة استمرارها. وفي أغسطس 2005، انهارت مساعي "الترويكا الأوروبية" لمعالجة ملف برنامج إيران النووي، واستأنفت هذه الأخيرة تخصيب اليورانيوم، ما دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2005، فردت إيران بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي مع الوكالة، وأعلنت للمرة الأولى في 11 أبريل (نيسان) 2006، نجاحها في تخصيب اليورانيوم بدرجة 3.5 في المئة، لتتوالى في السنوات اللاحقة حلقات التجاذب الغربي- الإيراني والعقوبات الدولية على إيران.

ووسط الاشتباك مع المجتمع الدولي، واصلت إيران أنشطتها السرية في المجال النووي، إذ كشفت واشنطن ولندن وباريس، في 25 سبتمبر 2009، بناء منشأة نووية جديدة تحت الأرض في منطقة "فوردو" جنوب طهران، وردت إيران بالقول إنها أبلغت الوكالة الدولية بالأمر قبل أربعة أيام، لكن مسؤولي استخبارات أميركيين قالوا إن طهران اضطرت للإبلاغ عن الموقع بعدما أدركت افتضاح أمره.

الشكوك حول المواقع العسكرية

إخفاء إيران لبرنامجها النووي واتهامها بالسعي لإنتاج قنبلة نووية، أثار شكوكاً كثيرةً حول طبيعة العمل الذي يجري في بعض المراكز العسكرية في البلاد، فطلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيش عدد منها، خصوصاً منشأة "بارشين" جنوب شرقي طهران، التي أثيرت شبهات حول إجراء تجارب فيها على صلة بالأسلحة نووية.   

رفض المسؤولون الإيرانيون في البداية هذه المطالب على لسان كثير من القادة العسكريين والسياسيين، الذين وصفوا المنشآت العسكرية بأنها "خط أحمر" لن يُسمح للمفتشين الدوليين بدخولها. لكن ما لبثت أن خضعت طهران، بعد فترة وجيزة من الكشف عن نشاطها النووي السري، لهذا المطلب، إذ زار مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية منشأة "بارشين" العسكرية عام 2005، وأخذوا عينات منها لم تثبت إجراء تجارب نووية في المكان.

السيناريو نفسه تكرر عام 2015. فبعد أقل من أربعة أشهر على تأكيد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في مايو (أيار) 2015، أن بلاده لن تسمح بتفتيش مواقع عسكرية في طهران واستجواب علماء إيرانيين ولن تتنازل أمام "الغطرسة"، زار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، في 20 سبتمبر، موقع "بارشين"، وتسلم خلال زيارته عينات أخذها علماء إيرانيون من المنشأة بإشراف الوكالة. وفي تقرير أصدرته في الثاني من ديسمبر 2015، قالت الوكالة إن المعلومات المتاحة لها من تحاليل العينات وصور الأقمار الصناعية، تشير إلى أن إيران "صنّعت وركبت أسطوانةً كبيرةً في مجمع بارشين العسكري في عام 2000" مطابقة "لبرامترات غرف إطلاق المتفجرات"، في ما يتناقض مع إعلان إيران بشأن الغرض المناط بالمبنى موضع الشبهات. وأضافت الوكالة أن الأنشطة المكثفة التي اضطلعت بھا طهران في الموقع المشتبه منذ فبراير 2012، "قوضت بشدة" قدرتها على إجراء تحقق فعال من الهدف وراءه.  

وجاء التراجع الإيراني حينها والسماح بتفتيش منشأة "بارشين"، تمهيداً للتوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.  

التقليل من تأثير العقوبات

بسبب برنامجها النووي الذي أبقته سرياً على مدى سنوات، خضعت إيران إلى قائمة طويلة من العقوبات، بعضها دولية صادرة عن الأمم المتحدة، وأخرى أحادية صادرة عن دول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.

وفيما شملت العقوبات قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني، شملت الصناعة والمعادن والنفط والنظام المصرفي والمالي، إضافةً إلى مؤسسات حكومية، يحاول المسؤولون الإيرانيون على الدوام التقليل من تأثيرها في اقتصاد البلاد. فقبيل إقرار مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر 2006، العقوبات الدولية على إيران، أكد الرئیس الإیراني حينها، محمود أحمدي نجاد، عدم خشیة بلاده من العقوبات، قائلاً إنها مستعدة لمواجھة الحالات كافةً وستقوى على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وعقب فرض العقوبات، وصفها نجاد بأنها مجرد "قصاصات ورق ممزقة"، وقال إن "القادة الغربيين حمقى لأنهم يتصورون أن بإمكانهم تأليب الرأي العام ضد الحكومة بفرض العقوبات".

أما مرشد الجمهورية علي خامنئي، فأطلق بدوره كثيراً من التصريحات التي تقلل من تأثير العقوبات الدولية على بلاده. ففي يوليو (تموز) 2012، اعتبر أن إيران "أقوى 100 مرة" مما كانت عليه قبل 30  سنة، مضيفاً أن "الغربيين يثيرون ضجة كبيرة بشأن العقوبات المفروضة على إيران، لكنهم لا يفهمون أنهم هم من حصن الشعب الإيراني" من خلالها. وفي نوفمبر 2018، قال خامنئي إن "أميركا تنوي إبقاء إيران متخلفة من خلال فرض العقوبات، لكن هذه الإجراءات في الواقع أدت إلى تسريع حركة إيران نحو الاكتفاء الذاتي".

لكن الدراسات الميدانية وسجل النمو الاقتصادي في إيران، يشير بوضوح إلى عكس هذه التصريحات، خصوصاً أن الضغوط التي رافقت هذه العقوبات أدت إلى خروج كثير من التظاهرات في البلاد، أطلق خلالها المحتجون شعارات حادة ضد قادة النظام. ومن أبرزها وأكثرها دمويةً، احتجاجات 15 نوفمبر 2019، التي انطلقت من الأحواز احتجاجاً على رفع فجائي لسعر البنزين بنسبة 200 في المئة، لتعود وتنتشر سريعاً في مختلف أنحاء البلاد. وقابلت السلطات الاحتجاجات بقمع شديد، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 300 شخص بحسب تقديرات منظمة العفو العالمية، فيما رجحت واشنطن مقتل أكثر من ألف شخص في الاحتجاجات، فضلاً عن جرح الآلاف. وسبق أن خرجت كذلك تظاهرات واسعة في ديسمبر 2017، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وحملات اعتقال كثيفة.

المؤشرات الاقتصادية تتكلم

وقد اعترف عدد من المسوؤلين الإيرانيين بتأثير العقوبات على البلاد، ففي فبراير 2020، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه "لا يمكن لأحد أن یدعي بأن العقوبات لا تأثیر لها". وفي أكتوبر 2020، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في معرض إشارته إلى العقوبات المالية والأميركية ضد طهران، إنها "ألحقت خسائر مالية كبيرة بإيران".

إن نظرنا إلى الأرقام، يبدو جلياً تأثير العقوبات على طهران. فمع دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ مطلع 2016 ورفع العقوبات عن إيران، حققت البلاد نمواً اقتصادياً بنسبة 13.3 في المئة، مقارنةً مع (-1.3 في المئة) عام 2015. ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وإعادة فرضها عقوبات أحادية على إيران عام 2018، سجل اقتصاد البلاد انكماشاً بـ (-6 في المئة) مقارنةً مع نمو 3.7 في المئة في 2017. ومع استمرار العقوبات الأميركية، انكمش الاقتصاد الإيراني في 2019 بنسبة (-6.7 في المئة)، وفق بيانات البنك الدولي.

الأمر مشابه بالنسبة إلى الإنتاج النفطي الذي تشكل عائداته الجزء الأكبر من إيرادات إيران. فبعدما بلغت صادرات إيران النفطية مستوى مرتفعاً عند 2.8 مليون برميل يومياً في 2018، تراجعت إلى نحو 300 ألف برميل يومياً في 2020، بحسب تقديرات لوكالة "رويترز" استندت إلى بيانات تتبّع ناقلات. وجاء هذا الانخفاض الحاد في ضوء العقوبات الأميركية المتجددة على القطاع في 2018.

كما شهد الريال الإيراني تراجعاً حاداً في قيمته أمام الدولار الأميركي، إذ فقد نحو 70 في المئة من قيمته في السوق غير الرسمية في الأشهر التي تلت إعادة فرض واشنطن عقوباتها على طهران عام 2018، بحسب مواقع متخصصة بالتحويل الخارجي.

كذلك الأمر بالنسبة إلى معدل التضخم بأسعار سلع المستهلكين، فبعدما نجحت الحكومة بخفضه من 12.4 في المئة عام 2015 إلى 7.2 في المئة عام 2016، عاد وارتفع بشكل كبير إلى 18 في المئة عام 2018، فـ 39.9 في المئة عام 2019، بحسب بيانات البنك الدولي، وذلك بفعل العقوبات الأميركية الأحادية.

وبعد أكثر من 60 عاماً على إطلاق برنامجها النووي، لا تزال إيران عاجزةً عن بناء الثقة مع المجتمع الدولي وإثبات سلمية أهدافها، بفعل أنشطتها السرية ونكثها المستمر تعهداتها. في غضون ذلك، يدفع المواطن الإيراني الثمن من قوته اليومي، إثر عقوبات خنقت اقتصاد البلاد ووضعتها في شبه عزلة دولية.

عن "اندبندنت عربية"

الصفحة الرئيسية