ترامب أمام القضاء... نهاية مستقبله السياسي أم تكريسه بطلاً؟

تتجه أنظار الأمريكيين اليوم إلى ولاية نيويورك التي ستشهد بعد ساعات أولى محاكمات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وسط تأهّب كامل من الشرطة تحسّباً لأيّ طارئ.

وقد وصل ترامب إلى نيويورك استعداداً للمثول أمام المحكمة، بعدما أصبح أول رئيس للولايات المتحدة يواجه اتهاماً جنائياً.

ترامب يقيم حالياً في برجه الخاص في نيويورك حتى موعد محاكمته، وذكرت شبكة "سكاي نيوز" أنّه يوجد تأمين خاص للبرج، وأنّ "السلطات الأمنية وضعت خطة خاصة لتأمين محاكمة الرئيس الأمريكي السابق".

وحذّر رئيس بلدية نيويورك، إريك آدمز، أمس من أنّ أيّ شخص في المدينة سيمارس العنف للاحتجاج خلال محاكمة ترامب سيتمّ "توقيفه ومحاسبته أيّاً كان".

وقال آدمز خلال مؤتمر صحافي عشية مثول ترامب أمام المحكمة: "في الوقت الذي يفكّر فيه بعض مثيري الشغب بالمجيء إلى مدينتنا اليوم، رسالتنا واضحة وبسيطة: تحكّموا بأنفسكم"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

ولدى مثول ترامب أمام المحكمة اليوم سيجري أخذ بصماته، كما ستلتقط له المحكمة صورة التوقيف، وأكد موقع "ياهو نيوز" أنّ ترامب سيدخل قاعة المحكمة اليوم دون تكبيله، أو حتى تصويره الصورة التقليدية التي تلتقطها المحكمة في العادة للمتهمين، حتى لا يتم استخدامها ضده، أو تكون تحريضاً على العنف.

ولن يوضع في زنزانة قبل توجهه إلى قاعة المحكمة حيث سيواجه القاضي، وهي إجراءات روتينية عادية بالنسبة إلى المتهمين.

وقبيل ساعات قليلة من مثوله أمام محكمة مانهاتن، في سابقة تاريخية بالولايات المتحدة، وصف ترامب لائحة الاتهام الموجهة ضده بالمثيرة للشفقة.

وقال في تعليق نشره على حسابه في منصة (سوشيل تروث) اليوم: مدعي عام مانهاتن ألفين براغ سرّب للتو وبطريقة غير قانونية معلومات بشأن لائحة الاتهام المثيرة للشفقة ضدي.

وأضاف: أعرف المراسل، وهو أيضاً يعرفه، في إشارة ربما إلى الصحفي الذي سرّب في وقت سابق اليوم معلومات تفيد بأنّ الرئيس السابق يواجه (34) اتهاماً.

ترامب يقيم حالياً في برجه الخاص في نيويورك، والسلطات الأمنية وضعت خطة خاصة لتأمين محاكمته

إلى ذلك، اعتبر أنّه "إذا أراد المدعي العام الآن تبييض سجله المهني، فعليه أن يدين نفسه"، بسبب ما اقترفه من مخالفة قانونية. وختم قائلاً: "سيسجل وصمة فشل في سجله القضائي، كذلك زوجته الكارهة لترامب"!.

ولا شك أنّ اسم ألفين براغ المنتمي للحزب الديمقراطي سيحفر مكانة له في التاريخ القضائي بأمريكا، كأوّل مدعٍ عام على المستوى الفيدرالي أو مستوى الولايات يوجّه اتهامات جنائية لرئيس أمريكي.

وفي السياق، قال الفريق القانوني لترامب: إنّ الرئيس السابق سيستسلم طواعية، وسيدافع عن نفسه أمام "كل قضية محتملة"، بمجرد الكشف عن لائحة الاتهام، بحسب شبكة "سي إن إن".

وتثير هذه المحاكمة التساؤلات بشأن إمكانية ترشح ترامب لانتخابات الرئاسة 2024، ومدى تأثيرها على حظوظه في الفوز. لكنّ خبراء ومعنيين يحذّرون من أنّ هذه المحاكمة قد تزيد من شعبيته، ويرجحون أنّ الأمر قد يستغرق أعواماً حتى تصل قضيته الجنائية إلى المحاكم، نظراً للإجراءات وتكتيكات التأجيل التي قد تدفع المحاكمة إلى ما بعد انتخابات عام 2024.

رئيس بلدية نيويورك: أيّ شخص في المدينة سيمارس العنف للاحتجاج خلال محاكمة ترامب سيتمّ توقيفه ومحاسبته أيّاً كان

وقال العضو الجمهوري في مجلس نواب ولاية كنتاكي، وليام لورانس، في تصريح لموقع "الحرة": إنّ تفاصيل قضية ترامب لم يُعلن عنها بعد، ومن المتوقع أن تتضح الأمور اليوم، لكن بشكل عام فإنّ مثل هذه القضايا تأخذ وقتاً طويلاً في المحاكم، وليس مرجحاً أن يتم الحكم فيها قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024.

ومن الناحية العملية، قد يستغرق الأمر شهوراً حتى تبدأ المحاكمة؛ إذ يجب اختيار هيئة محلفين وفحصها، وفقاً لمجلة (بوليتيكو) الأمريكية، التي ترى أنّ من المؤكد أنّ ترامب سيسعى لتأجيل الإجراءات وإطالة أمد المحاكمة لأطول فترة ممكنة قد تستمر لأعوام.

ويمكن لفريق الدفاع عن ترامب، بحسب مجلة (تايم) الأمريكية، محاولة نقل القضية إلى محكمة فيدرالية بالنظر إلى الآثار الدستورية، بحجة أنّ بعض المدفوعات على الأقل حدثت أثناء رئاسة ترامب، ولا ينبغي أن تبت فيها محكمة الولاية، ويمكنهم أيضاً أن يسعوا لنقل المحاكمة إلى محكمة أخرى في ولاية نيويورك.

ومن أجل توجيه الاتهام إلى ترامب بارتكاب جناية، يقول خبراء قانون لـ (تايم): إنّ المدعين في نيويورك قد جمعوا على الأرجح بين تهمة تزوير سجلات تجارية وانتهاك قانون انتخابات الولاية، رغم أنّ القضية تتعلق بانتخابات فيدرالية.

ووفقاً للمجلة الأمريكية، قد يستغرق حلّ كل هذه الطلبات التمهيدية شهوراً، ممّا يزيد من احتمال أن يقضي ترامب معظم، إن لم يكن كل موسم حملته الانتخابية، منخرطاً في مشاحنات قانونية، وما تزال المحاكمة تنتظره.

ترامب: مدعي عام مانهاتن سرّب بطريقة غير قانونية معلومات بشأن لائحة الاتهام ضدي، فعليه أن يدين نفسه بسبب ما اقترفه من مخالفة قانونية

وفي حديث لموقع "الحرة" توقع أستاذ العلوم السياسية مدير الإدارة السياسية في جامعة (جورج واشنطن) الأمريكية، تود بيلت، ألّا تكون التهم قوية بما يكفي لإدانة ترامب، وبشكل عام لا يمنعه الدستور من الترشح للرئاسة.

وأضاف بيلت أنّ هذه التهم يراها أنصار ترامب حملة ممنهجة ضده، ولذلك لن تؤثر على قاعدته الشعبية وسط أنصاره ومؤيديه.

وتابع أنّ هذه القضية تجعل ترامب بطلاً في نظر أنصاره، وهو يعلم كيف يحركهم جيداً، وبذلك سيضمن هذه الأصوات في السباق الرئاسي، مضيفاً أنّ ترامب يعرف كيف يلعب دور الضحية بسهولة، ومن المؤكد أنّه سيستغل ما يحدث لصالحه.

وحتى لو لم تعرقل المشاكل القانونية العودة السياسية لترامب، فيرى بيلت أنّها قد تضر بالمرشحين الجمهوريين الآخرين في الانتخابات الرئاسية عام 2024.

وأوضح بيلت أنّ هذه المحاكمة ستخلق خلافاً داخل الحزب الجمهوري، وبذلك ستتفرق الأصوات التي سيحصل عليها مرشحو الحزب في الانتخابات، وهذا سيصب في مصلحة ترامب.

لورانس: القضايا التي يمثل بها ترامب تأخذ وقتاً طويلاً في المحاكم، وليس مرجحاً أن يتم الحكم فيها قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في 2024

واعتبر بيلت أنّ الحزب الجمهوري حالياً هو من سيدفع ثمن ما يحدث لترامب، لأنّ هذا سيُدخلهم في تصريحات ومواقف عديدة قد لا تكون في صالحهم، سواء دافعوا عن ترامب أو هاجموه، وسيواجه الجمهوريون وقتاً أصعب من المعتاد للفوز بأغلبية مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، فإنّ معظم استطلاعات الرأي، التي يجب النظر إليها بتأنٍّ، ما زالت تظهر أنّ ترامب يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، وسيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير.

وقال مدير معهد السياسات الدولية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أتلانتيك، باولو فان شيراك، لموقع "الحرة": إنّ أغلب الجمهوريين، حتى من لا يتفق مع ترامب، مثل مايك بنس وليندسي غراهام، وجهوا انتقادات بالفعل للمحاكمة، واعتبروا أنّها حملة من الديموقراطيين ضد الجمهوريين، خاصة أنّ المدعي العام في نيويورك، ألفين براج، ينتمي للحزب الديموقراطي، وهذا ما يريده ترامب لتحسين صورته.

وأوضح أنّ غالبية المرشحين المنافسين لترامب في الانتخابات التمهيدية من الجمهوريين تجنبوا انتقاد ترامب أو التعليق بشكل سلبي ضده بسبب أنباء المحاكمة، حتى لا يتسببوا في غضب ترامب، وبذلك يخسرون قاعدته الانتخابية التي قد يحتاجون إليها أثناء الانتخابات الرئاسية.

استطلاعات الرأي تظهر أنّ ترامب يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، وسيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير

واعتبر النائبان الجمهوريان، ليندسي غراهام ومايك بنس، السبت الماضي، أنّ مدعي نيويورك فعل أكثر من أيّ شخص آخر في الولايات المتحدة لمساعدة دونالد ترامب في انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، ووصفوا الملاحقات في نيويورك بأنّها "انتقائية ومقلقة"، بحسب ما نقلت وكالتا "رويترز"، و"فرانس برس".

وقضية نيويورك هي واحدة فحسب من التحقيقات التي تواجه ترامب الذي رشح نفسه مرة أخرى للرئاسة.

إذ تحقق وزارة العدل الأمريكية في كلٍّ من تصرفات ترامب خلال انتخابات 2020، واحتفاظه بوثائق سرّية للغاية بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021.

مواضيع ذات صلة:

- الزمن الترامبي: أفق سياسي دخاني ورهان على "التريند"

- إيلون ماسك على خطى ترامب للتخلص من "عمالقة السوشيال ميديا"

- هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض في 2024؟.. استطلاع رأي يجيب