صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل مع أوروبا.. طوق نجاة أم حل دائم؟‎‎

صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل مع أوروبا.. طوق نجاة أم حل دائم؟‎‎


16/06/2022

في خضم لغز جيوسياسي معقّد لأوروبا لتحرير نفسها من اعتمادها على الغاز الروسي، توصل الاتحاد الأوروبي إلى صفقة مع كلّ من مصر وإسرائيل لتأمين احتياجات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي، في الوقت الذي يسارع فيه الاتحاد وبصعوبة إلى صياغة إستراتيجية جديدة للطاقة ليس لروسيا مكان فيها.

والصفقة عبارة عن مذكرة تفاهم وقّع عليها وزير البترول المصري طارق الملا وكاترين الحرار وزيرة الطاقة الإسرائيلية وكادري سيمسون مفوضة الطاقة والمناخ في الاتحاد الأوروبي، بحضور أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية التي وصلت القاهرة صباح أمس قادمة من تل أبيب، لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية لمحطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط قبل إعادة تصديره في شكل غاز طبيعي مسال مرة أخرى إلى أوروبا. وقد وُقّعت المذكرة على هامش الاجتماع السابع لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي يضمّ مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وفرنسا أعضاء، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مراقبين. والمذكرة هي أول اتفاق لتجارة وتصدير الغاز الطبيعي تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط.

 6 أشهر مفاوضات 

على الرغم من توقيع مذكرة التفاهم في توقيت حرج للغاية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، نظراً للمخاوف من إقدام روسيا على قطع إمدادات الغاز عن أوروبا رداً على (6) حزم من العقوبات الأوروبية التي استهدفت في الأساس البنية الاقتصادية الروسية والطاقة، وكانت الأشد إيلاماً على الإطلاق، كشفت مسؤولة أوروبية، في تصريحات حصرية لـ"حفريات" على هامش انعقاد منتدى غاز شرق المتوسط، أنّ "المفاوضات بشأن صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية كانت قد بدأت في الأساس منذ (6) أشهر؛ أي قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) الماضي."

توصل الاتحاد الأوروبي إلى صفقة مع كلّ من مصر وإسرائيل لتأمين احتياجات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي

قد تكون الصفقة بالفعل غير مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، غير أنّها بلا شك مرتبطة بسعي الاتحاد الأوروبي للتخلص من الاعتماد على روسيا كمورد رئيسي للغاز الطبيعي لأوروبا، ففي نيسان (أبريل) 2018 كشف مفوض الطاقة الأوروبي السابق ميغيل أرياس كانيتي، خلال زيارة للقاهرة، للمرة الأولى عن سعي الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر إمدادات الغاز الطبيعي بعيداً عن روسيا، قائلاً: "ما لا أستطيع تحمّله هو أنّ الاتحاد الأوروبي سيعتمد على مورد غاز واحد بشكل رئيسي يستخدم الغاز الطبيعي أحياناً كسلاح سياسي".

 

كشفت مسؤولة أوروبية في تصريحات لـ"حفريات" أنّ المفاوضات بشأن صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية كانت قد بدأت في الأساس منذ (6) أشهر

 

ومع زيارة كانيتي للقاهرة منذ (4) أعوام، برزت مصر كمسار محتمل لبدائل الغاز الروسي ضمن خطتها الطموحة بالتحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة عبر سلاسل من البنى التحتية، وهو الأمر الذي أكد عليه وزير البترول المصري أمس بالقول: إنّ "التوقيع اليوم يمثل خطوة مهمّة جداً في مسيرة بناء المنتدى التي بدأت منذ (4) أعوام".    

ممر السلام

تستورد مصر بالفعل غازاً طبيعياً بكميات تتراوح من (600 إلى 700) مليون قدم مكعب يومياً من إسرائيل عبر خط أنابيب "السلام" الذي يربط مدينة عسقلان بمدينة العريش المصرية في شبه جزيرة سيناء المصرية، على حدّ تصريحات الجانب المصري.

مفوضة الطاقة الأوروبية لـ"حفريات": إنّها خطوة أولى، لكنّها واعدة جداً

 

قال مسؤول بوزارة البترول المصرية في تصريحات لـ"حفريات": إنّه يجري توسيع محطات الإسالة القائمة بإضافة وحدات إنتاجية جديدة

 

ورأت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية أنّ "أسرع طريقة لإنشاء ممر من ليفياثان إلى إيطاليا يمر عبر استغلال خط أنابيب السلام الحالي والذي تم شراء 25% منه من قبل شركة سنام الإيطالية عام 2021"، موضحة أنّه بعد نقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر "خط السلام"، سيتم استخدام محطات التسييل الموجودة بالفعل في مصر، ثم يتم نقله في شكل غاز طبيعي مسال عن طريق السفن إلى الموانئ الإيطالية، غير أنّ الصحيفة أثارت نقطة مهمّة للغاية فيما يتعلق بالسعة الإنتاجية لمحطات الإسالة المصرية، قائلة: "يوجد في إسرائيل حالياً إمكانية تصدير تصل إلى (20) مليار متر مكعب، غير أنّ البنية المصرية لا يمكنها الآن سوى استيعاب جزء صغير، وبالتالي سيكون حلاً جسرياً، ويجب دمجه مع طرق أخرى".

وفي هذا الشأن، قال مسؤول بوزارة البترول المصرية، في تصريحات لـ"حفريات": إنّه "يجري توسيع محطات الإسالة القائمة بإضافة وحدات إنتاجية جديدة"، وقال آخر: إنّه تم بالفعل إضافة إحدى الوحدات.

أين وصل مشروع إيست ميد؟

بعد ساعات من الإعلان عن الصفقة الثلاثية بين مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أعلن فابريزيو ماتانا نائب الرئيس التنفيذي لأصول الغاز في شركة إديسون أنّ أنشطة التراخيص الخاصة بمشروع "إيست ميد" في "المرحلة النهائية"، حسبما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.

مشروع "إيست ميد" هو خط أنابيب غاز يربط الحقول الإسرائيلية بأوروبا عبر خط أنابيب آخر في اليونان دون المرور بمصر

وقال ماتانا، خلال جلسة استماع أمام لجنتي الشؤون الخارجية والأنشطة الإنتاجية بمجلس النواب الإيطالي حول "إيست ميد": "نحن في المرحلة النهائية من أنشطة الترخيص وفي مرحلة متقدمة في هندسة البناء، ويمكن الانتهاء من المشروع بحلول عام 2027".

و"إيست ميد" هو خط أنابيب غاز يربط الحقول الإسرائيلية مباشرة بأوروبا عبر خط أنابيب آخر يُطلق عليه "بوسيدون" في اليونان، دون المرور بمصر، ممّا قد يوحي بأنّ الصفقة التي تم إبرامها بالأمس قصيرة العمر.

بعد نقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر سيتم استخدام محطات التسييل الموجودة بالفعل فيها

وتبلغ تكلفة مد خط الأنابيب "إيست ميد" (6) مليارات يورو، لحوالي (2000) كيلومتر من البنية التحتية، ولديه القدرة على نقل ما بين (10 و20) مليار متر مكعب، غير أنّ عملية بنائه تنطوي على تعقيدات وتداعيات محتملة على قاع البحر، والتكاليف أعلى من تلك الخاصة بخط أنابيب الغاز البري.

وفي تصريحات لـ"حفريات" على هامش المنتدى، قالت كادري سيمسون مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي: "لقد وقّعنا للتو مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل، وهذا سوف يساعدنا على المدى القصير، لذلك سوف نستقبل الغاز المسال ليس عبر خطوط أنابيب ولكن من خلال سفن شحن"، مضيفة: "إنّها خطوة أولى لكنّها واعدة جداً، الآن ستقوم المفوضية الأوروبية بتشكيل فريق عمل خاص من شأنه تلبية طلب الدول الأعضاء للغاز، سنطلق مشاريع مشتركة للغاز."

مواضيع ذات صلة:

روسيا تشهر سلاحها في وجه الغرب... هل تخرج "حرب الغاز" عن السيطرة؟

جدل وانقسام في الاتحاد الأوروبي بسبب الغاز الروسي

إيران وأوروبا: الغاز مقابل صد الصدمات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية