في حبّ "العود كلاشينكوف" عدلي فخري

في حبّ "العود كلاشينكوف" عدلي فخري

في حبّ "العود كلاشينكوف" عدلي فخري


16/05/2023

تداعب قلبي بين الحين والآخر أغنيات الفنان المصري عدلي فخري، وتعيدني إلى أزمنة "الكفاح" والمقاومة ضد الظلم والاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية.

عدلي فخري (الحاصل على بكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا، من جامعة القاهرة عام 1963) شكّل ظاهرة ثورية في الغناء العربي، تختلف قليلاً عن ظاهرة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، رغم أنهما انطلقتا في المكان نفسه، وفي سياق الأحداث ذاتها التي أعقبت هزيمة 1967، وأثمرت روحاً عذبة تتوخى الانعتاق، ذات ملامح رومانسية وأفق يساري يَنشد تمجيد الثورات في كل العالم، وفضح الطغيان وعملاء الإمبريالية والصهيونية، وكل قوى الاستكبار. كان زمناً بنظرة شمولية لا تعرف القسمة على اثنين؛ العالم إما أبيض أو أسود. إما خير أو شر، إما عدل وفير، أو ديكتاتورية تسحق البشر والشجر والأمنيات.

كان عدلي فخري مباشراً لا يتباطأ كي يصل إلى المعنى. كان مسكوناً بـ"الرسالة"، وغلّب الخطابَ على حساب الفن، رغم موهبته وصوته ذي الخامة متعددة الطبقات، وقدرته على الإطراب، لكنه لم يفعل، (فغادر منطقة عبدالحليم حافظ، ومحرّم فؤاد) لأنه شعر أنّ الخطاب يتقدّم، ومن حقه أن يتقدم في تلك المرحلة التي لم تكن تعرف "الترف" الذي رافق مارسيل خليفة على أهمية تجربته وفرادتها.

رحل عدلي يائساً حزيناً بعد أن شكا لأصدقائه من التغييب والتهميش وتصدّع الخيارات الثورية، ويروي شقيقه أنه حين مات لم يكن في جيبه سوى 200 جنيه مصري

في تلك المنطقة من التقشّف الموسيقى اندلعت أغنيات عدلي فخري، الذي غنّى بعُوده "الكلاشينكوف" الخاص الذي يشبه الغيتار، لفلسطين، وحمل على كتفيه كوفيتها، وانصهر فيها حتى النخاع، وغنى في بيروت للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين ضد العدوان الإسرائيلي، وعمل في وكالة "وفا" الفلسطينية للأنباء، برعاية مديرها زياد عبد الفتاح.

غنى عدلي فخري، الذي وصفه لويس عوض في "الأهرام" بأنه "سيد درويش العصر" للثورات اليسارية في العالم من إسبانيا وتشيلي حتى إندونيسيا، مروراً بتركيا وإيران والعالم العربي، وأعلى الطاقة المتمرّدة في قلب غيفارا وأشعار بابلو نيرودا، وغنّى لـ"الدم في طبق الرئيس الأمريكاني، الدم فوق صدر الوزير المعجباني يكتب شعاراتنا على حيطان المدينة".

وجرى استضافة عدلي فخري، مع زين العابدين فؤاد، في الأردن بدعوة من نادي خريجي الجامعة الأردنية، فأقام ثماني أمسيات، حضر أحدها في مجمع النقابات المهنية، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، الشيخ المناضل عبدالحميد السائح.

لم يكن عدلي يغني بصوته فقط، بكل ذرة من جسده، وبآلاف الحناجر، في زمن بشّر بالانتصار وهزم الهزيمة، وصنع للفقراء منارة من أمل: " في عز ليل القهر تخضرّ الأماني.. وينزل ندى في الفجر على سطح المدينة"، وهي المغنّاة الأثيرة التي كتبها رفيق مسيرته سمير عبد الباقي: " كل الشوارع تتنفض كل المزارع والغيطان، يوقف المكان بيعترض توقف الليالي والزمان، تنهدّ جدران الزنازن والسلاسل والحيطان".

غنى عدلي قصائد عديدة لزين العابدين فؤاد، وأحمد فؤاد نجم،، وكذلك لمحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيّاد، وكان يُنظر إليه كأنه امتداد  لميراث الروح العذبة للمغني التشيلي فيكتور جارا. وما أرقّ ما غنّاه "في حب مصر": "مصر غيطان الرياح، مصر أصوات التلامذة في الصباح، مصر عابدين المظاهرات القديمة.. مصر تعرف في السياسة، عارفة إن الشمس فوق سينا يطلّعها البشر".

رحل عدلي يائساً حزيناً مهجوراً، بعد أن شكا لأصدقائه من التغييب والتهميش وتصدّع الخيارات الثورية. ويروي شقيقه مدحت فخري أنه حين مات لم يكن في جيبه سوى 200 جنيه مصري.

كان عدلي فخري ناراً من العنفوان تستحق أن تُستعاد في قالب فني جديد يستجيب لمعطيات العصر الراهن، ولا تُسقط فكرة المقاومة من بين يديها. العالم المختلّ الراهن يحتاج صوتاً ثورياً يحطّم الأوثان، ويعيد للإنسان بهاءه وصولجان روحه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية