في ظل سلطة الإسلام السياسي... كيف يعيش الفنان في العراق؟

 في ظل سلطة الإسلام السياسي... كيف يعيش الفنان في العراق؟

في ظل سلطة الإسلام السياسي... كيف يعيش الفنان في العراق؟


27/08/2023

لم يعد اختفاء فنان عراقي ما، أو موته نتيجة مرض مفاجئ أو حادث، مثيراً لدى الأوساط المجتمعية العامة، لكثرة ما يسمعونه عن نهايات فنانين عراقيين أنهكهم العوز والمرض، منذ تسلمت القوى الإسلامية مقاليد الحكم في البلاد إلى الآن. ومنذ مجيء تلك القوى التي ترى في العمل الفني حرمةً شرعية، قامت بإلغاء حقل سيادي مهم، وهي وزارة الإعلام والثقافة، وإحالة مجمل العاملين في المجالين الفني والإعلامي إلى التقاعد، وذلك من خلال مبالغ لا تتعدى الـ (500) دولار، وهو ما جعل الفنان العراقي يكون بين فكّي الهجرة أو العمل الإعلامي غير التخصصي في وسائل الإعلام التجارية.

في الأشهر الـ (3) الماضية، رحل (3) نجوم عراقيين في أوج عطائهم الفني، جرّاء مرض أنهكهم، وعدم وجود رعاية صحية لهم تقلل من تداعي أجسادهم، إذ يرقدون كما يرقد المواطنون الفقراء في ردهات القطاع الصحي العام الذي أنهكه الفساد.

أقلّ من (50) عاماً كان معدل أعمار الفنانين الذين رحلوا مؤخراً؛ أبرزهم:  المسرحي فلاح إبراهيم، والممثل الكوميدي رضا طارش، وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي المحلي بالعويل عليهم، ولكنّ الأخبار السريعة تذهب بسرعة ولا تمكث في الذاكرة طويلاً.

لكنّ الخبر الأكثر إيلاماً على الصعيد الفني، هو وفاة المخرج السينمائي لؤي فاضل، فقد عثر على جثته في نهر دجلة بالعاصمة بغداد، وذلك بعد أسبوع على اختفائه. بداية الأمر، وضعت جثة فاضل ضمن جثث مجهولة الهوية، وتم التعرف عليه فيما بعد.

الفنان فلاح إبراهيم (يميناً) والفنان رضا طارش (يساراً) رحلا مؤخراً بسبب سوء الحالة الصحية لهما

الراحل لؤي فاضل يُعدّ "أحد المخرجين الشباب البارزين، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين، وقد مثل البلاد في عدة محافل دولية، وصنع العديد من الأفلام السينمائية، آخرها فيلم حجل"، وفقاً لبيان نقابة الفنانين.

وفي وقت سابق بعث شقيق المخرج الراحل برسائل إلى الأصدقاء والمعارف قال فيها: "أخي المخرج السينمائي لؤي فاضل مفقود منذ (6) أيام"، مبيناً أنّ "فاضل خرج من باب كليّة الفنون الجميلة في منطقة الوزيرية ولم يعد إلى ذويه".

أقلّ من (50) عاماً كان معدل أعمار الفنانين الذين رحلوا مؤخراً؛ أبرزهم: المسرحي فلاح إبراهيم، والممثل الكوميدي رضا طارش، وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي المحلي بالعويل عليهم، ولكنّ الأخبار السريعة تذهب بسرعة ولا تمكث في الذاكرة طويلاً.

وفي شقة نائية في العاصمة بغداد، كان يقطن من أضحك العراقيين كثيراً عبر أعماله الكوميدية، وهو الفنان محمد حسين المعروف بـ "أبي تحسين"، رحل الأخير دون نعي رسمي يليق به، لأنّ المرض غيبه عن الأضواء، ومن يبتعد عن الأضواء، يخرج من الذاكرة المحلية سريعاً، ولا يعلم النقاد المحليون سرّ نسيان المبدعين العراقيين وهم على سرير المرض.

متشددون على رأس المؤسسة

أفردت المحاصصة السياسية الطائفية في العراق الحالي وزارة الثقافة، وأضحت تُعطى ضمن تشكيل الحكومة كوزارة ترضية للقوى السياسية التي لم تأخذ حصة الأسد من الوزارات، أو يتم إسناد كتلة معينة بوزارة سيادية مع وزارة الثقافة، لذا تكون الأخيرة في عدد الوزارات المهملة التي "لا حظ لها" في الموازنة المالية العامة.

وفقاً لمراقبين محليين، فإنّ أكثر من أهان وزارة الثقافة هما: حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، وجماعة الإخوان المسلمين في العراق؛ فقد أناط المالكي وزارة الثقافة بوزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي، لإدارتها على مدار دورة حكومية كاملة (2010-2014)، بينما رشّح الإخوان المسلمون شخصيةً متهمةً بالإرهاب، وشيخ جامع يُدعى (أسعد الهاشمي)، الذي اتُهم بقتل نجلي السياسي الليبرالي مثال الألوسي، إبّان فترة الحرب الطائفية في العراق (2005- 2008).

الفنان عزيز خيون

كان النظام السياسي السابق يُسخّر الفنان العراقي لخدمة "الرمز القائد"، ومؤسسة الحكم المتمثلة في "حزب البعث"، إلّا أنّ الوضع المادي كان أفضل من الوضع الراهن، لأنّ الإنتاج حاضر، والمال متوفر، وإن كان الإنتاج الفني مؤدلج للسلطة، والقائد الأوحد، لكن بُعيد تشكيل الحكومات التي يقودها الإسلام السياسي، بشقيه السنّي والشيعي، في النظام الجديد، انعدم التمويل، وعاش الإنتاج الفني فقراً لا مثيل له .

خيون: حياة الفنان صعبة

يعيش الفنان في الداخل العراقي على خط الفقر، نتيجة تقاعده الضئيل، وغياب الأعمال الإنتاجية في شبكة الإعلام العراقي، وهو ما جعله يعتمد على أدوار نسبية في محطات خليجية خاصة، وعربية عامة، إلّا أنّ تلك الأدوار باتت محصورة بفنانين عرفوا كيفية التسويق الخاص لذواتهم، بينما الأكثرية تعاني شظف العيش.

أكثر من أهان وزارة الثقافة هما: حزب نوري المالكي، وجماعة الإخوان المسلمين في العراق. فقد أناط المالكي وزارة الثقافة بوزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي، بينما رشّح الإخوان المسلمون شخصية متهمة بالإرهاب، وشيخ جامع يُدعى (أسعد الهاشمي).

يقول الفنان عزيز خيون: إنّ "حياة الفنان العراقي الآن حياة صعبة، حياة مرّة، لما يتهدده من أخطار، وما يعانيه لتدبير شؤون حياته اليومية"، مشيراً إلى حاجته إلى "سقف يحميني، ومدخول يومي يكفيني لعائلتي، وأن أعيش بكرامة".

ويؤكد الحاجة إلى "الحرية والاحترام، وهذا الحدّ الأدنى من المطالب والاحتياجات للأسف لم يتحقق، لكنّ هذا لا يعطينا عذراً في أن نغادر العراق، كما يفعل البعض، إنّما يمنحنا جلداً وعناداً ومقاومة في أن نلتصق بهذا التراب أيّاً كانت الظروف".

ويعتبر خيون حرصه وإصراره على تعلم الفن بالعراق في نهاية الستينات، ومطلع السبعينات، أحد روافد فخره واعتزازه ببلده، وهو ما لمسه لاحقاً في عيون الكثير من زملائه العرب والنقاد.

تدخل وزارة الثقافة في لعبة المحاصصة السياسية علماً أن لا حظ لها من الموازنة المالية العامة

ويقول: "في إحدى المرات بمهرجان بغداد التقيت بالناقدة المصرية الراحلة نهاد صليحة، وسألتني في ندوة عقب العرض المسرحي، (أنت خريج إنجلترا أم روسيا؟)، فأجبتها: بل خريج العراق، فقالت حينها: إذن يجب أن نصفق لك مرتين؛ مرة لأنك قدمت عرضاً أدهشنا، ومرة أخرى لأنك خريج العراق".

الفنان عزيز خيون مواليد 1947 بمحافظة ذي قار الجنوبية، تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة بالعراق في سبعينيات القرن الماضي، وعمل في بداية حياته بالإذاعة، ومنها إلى المسرح، ثم السينما والتلفزيون، ليقدّم حتى الآن أكثر من (70) مسرحية، فضلاً عن رصيد وافر من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية.

مواضيع ذات صلة:

البرلمان العراقي يعجز عن إقرار قانون لحماية الأسرة... ما دور الإسلاميين؟

العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟

ضم عناصر إخوانية... الإعلان عن تحالف سُنّي جديد في العراق




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية