كيف ساهمت السياسات الحكومية في أوروبا بنشر التطرف؟

كيف ساهمت السياسات الحكومية في أوروبا بنشر التطرف؟

كيف ساهمت السياسات الحكومية في أوروبا بنشر التطرف؟


02/05/2024

تشهد أوروبا منذ بداية حرب غزة 7 أكتوبر 2023 تصاعداً ملحوظاً في ظاهرة التطرف، وتعود أسباب هذا الارتفاع إلى العديد من العوامل المعقدة التي تتضمن التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تعتبر حرب غزة حدثًا مؤثرًا بشكل خاص، حيث أدت التوترات الناجمة عنها إلى تصاعد المشاعر العدائية والتمييز العرقي في البلدان الأوروبية.

هذا التصاعد في التطرف تحدث عنه المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ملف  تناول الملف بالعرض والتحليل عودة ظهور ر التطرف من جديد في أوروبا في أعقاب حرب غزة، وناقش أسباب ظهور التطرف في أوروبا ونزوح الشباب في أوروبا نحو التطرف العنيف، و‏كيف تؤثر سياسات الدول الداخلية ومواقفها المزدوجة على صناعة الكراهية التي تنعكس على الأمن المجتمعي لدول أوروبا. 

 ألمانيا ـ كيف تساهم السياسات الحكومية بنشر التطرف

الملف لفت إلى أن المواقف السياسية المزدوجة لدول أوروبا عامة وفي ألمانيا خاصة بالتعامل مع الحرب في غزة، ساهمت في استغلال الجماعات المتطرفة لتك الأوضاع، كذلك توجه بعض الشباب نحو التطرف، وهذا تتحمله الحكومات والدول الأوروبية. 

كذلك تنامى الانقسام في ألمانيا حول ازدواجية المعايير في التعامل مع حرب غزة، فهناك من يرى موقف ألمانيا كازدواجية معايير، يينما يراه آخرون مصلحة وطنية لألمانيا، ما جعل ألمانيا في مرمى الجماعات المتطرفة وفي حالة تأهب خشية وقوع هجمات إرهابية.

وبحسب ما جاء في الملف فإن الدعم الألماني السياسي والعسكري لإسرائيل يعد أحد الأسباب الرئيسية في تنامي التطرف، يرى مراقبون أن هذا الملف قد يلقي بمزيد من الضغوط والانتقادات على حكومة المستشار “أولاف شولتز” على خلفية موقفها الداعم لإسرائيل، والذي ينطلق من اعتبار أن أمن إسرائيل مصلحة وطنية وأمن قومي لألمانيا.

تشهد أوروبا منذ بداية حرب غزة 7 أكتوبر 2023 تصاعداً ملحوظاً في ظاهرة التطرف

وكانت ألمانيا واحدة من ضمن (15) دولة أوقفت تمويلها للأونروا بسبب مزاعم أن واحدا من العاملين فيها كان ضالعا في هجمات السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل. 

وفي كانون الثاني/يناير 2024 رفضت الحكومة الألمانية تهمة ارتكاب “أعمال الإبادة” التي وجهتها جنوب إفريقيا لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، محذرة من “الاستغلال السياسي” لهذه التهمة وأن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة”. 

وتضع ألمانيا أمن إسرائيل في “جوهر” سياستها الخارجية، حيث اقتنت إسرائيل (30%) من المعدات العسكرية، في العام 2023 من ألمانيا، وارتفعت مبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل، التي بلغت قيمتها (326.5) مليون دولار، (10) مرات عن العام 2023.

وقد ألغت السلطات الألمانية “مؤتمر فلسطين” الذي كان من المفترض أن ينعقد في برلين ابتداءً من 12 نيسان/أبريل 2024، وعزت الشرطة تفريق الحشد بعد أن تحدث سياسي في المؤتمر المنعقد منعته الشرطة من ممارسة النشاط السياسي في ألمانيا بسبب معاداته للسامية. وطُلب من ما يصل إلى (250) مشاركا في المؤتمر مغادرة موقع الحدث، ما دفع مئات الألمانيين للتظاهر احتجاجا على إلغائه.

 

تعتبر حرب غزة حدثًا مؤثرًا بشكل خاص حيث أدت التوترات الناجمة عنها إلى تصاعد المشاعر العدائية والتمييز العرقي في البلدان الأوروبية

 

هذا وأشار تقرير إلى أن حرب غزة تسببت في زيادة المخاوف الألمانية من “الإرهاب الإسلاموي المتطرف” في 24 شباط/فبراير 2024. حيث قفز التهديد الذي يشكله “الإرهاب الإسلاموي المتطرف” إلى المرتبة الثانية. 

وأكدت وزارة الداخلية الألمانية في 17 آذار/مارس 2024 إن السيناريوهات المفترضة لشن هجمات إرهابية خلال “EURO 2024” تشمل محاولات إطلاق طائرة مسيرة محملة بمتفجرات، وشن هجمات على أفراد الشرطة أو على البنى التحتية، كمحطات المترو واحتجاز رهائن، وكذلك شن هجوم كيميائي أو بيولوجي أو نووي.

إلى ذلك، كشفت دراسة في 15 شباط/فبراير2024 مدى انتشار خطابات التطرف والكراهية الرقمية فمن بين (3000) مشارك أعمارهم (16) عاما فما فوق، قال (50%) منهم إنهم يتجنبون التعبير عن أنفسهم سياسيا والمشاركة في المناقشات بسبب الخوف. هناك (50%) من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم تعرضوا لخطابات تطرف وكراهية على الإنترنت مرة واحدة على الأقل، وأبلغ (13%) منهم عن تعرضهم للعنف. 

الملف اُشير فيه أيضا إلى أن حرب غزة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، خلقت فرصة للجماعات المتطرفة للدعوة إلى التطرف أو التحريض أو الدعاية أو التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث دعت مجموعة “Muslim Interaktiv” لتنظيم العديد من الاحتجاجات والمظاهرات في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وينسب ذلك إلى حزب التحرير، المحظور في ألمانيا منذ عام 2003 واستخدمت في تلك المظاهرات رموز وأعلام تنظيم “القاعدة” و”داعش”.

2- التطرف في فرنسا، كيف ساهمت ازدواجية مواقف الحكومة بنشر التطرف؟

وبحسب ما تضمنته عناصر الملف، تشهد فرنسا تزايداً ملحوظاً في حالات التطرف، إذ يستغل المتطرفون هذه الظروف لترويج أفكارهم المتطرفة وجذب المزيد من المؤيدين، حيث نشرت الجماعات المتطرفة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بيانات تحريضية، تهدف إلى إعادة تنظيم صفوفها، والتخطيط لهجماتها، والبدء بنشاط في تجنيد مقاتلين جدد. 

وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل في 24 أكتوبر2023، بعد أكثر من أسبوعين من الهجمات التي نفذتها حماس وقال الإليزية إن الهدف هو تقديم الدعم الكامل لتل أبيب. ومع استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة دعم ماكرون بشكل مستمر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه 18 يناير 2024 أن فرنسا لا تدعم الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والتي تتهمها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

واستضافت باريس في 28 كانون الثاني/يناير 2024  محادثات بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وقطريين ومصريين بشأن صفقة مقترحة لإطلاق المزيد من الرهائن وهدنة طويلة الأمد.

كغيرها من الدول الأوروبية، تواجه فرنسا تحديات جمة في مكافحة التطرف، وتثير بعض السياسات الحكومية المتبعة في هذا الصدد اتهامات بالازدواجية، إذ تُوجه انتقادات لتركيز الحكومة الفرنسية بشكل كبير على التطرف الإسلامي، بينما تتجاهل أشكالًا أخرى من التطرف، مثل التطرف اليميني أو معاداة السامية. 

وتتهم بعض الجهات الحكومة الفرنسية بممارسات تمييزية ضد المسلمين، مثل الاستنكاف عن توظيفهم في وظائف حكومية معينة أو ممارسات التوقيف والتحقق من الهوية. 

كذلك، تُتهم الحكومة الفرنسية أحيانًا بالتغاضي عن خطاب الكراهية والعنف من قبل جماعات اليمين المتطرف، أو حتى التعاون معها في بعض الحالات.

إلى ذلك، أشار الملف إلى التطرف يُعد ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه في فرنسا، تتجلى بأشكال مختلفة، تشمل، التطرف اليميني، الذي يتميز بنظرة قومية متشددة، ومعارضة الهجرة، والإسلاموفوبيا، والميل إلى السلطوية، إلى جانب التطرف الإسلامي، الذي يتبنى أفكارًا متشددة للإسلام، ويسعى إلى تطبيقها بشكل صارم، غالبًا ما باستخدام العنف، فضلا عن التطرف اليساري الذي يتبنى أفكارًا ثورية معادية للرأسمالية، ويدعو إلى التغيير الجذري للمجتمع. شهدت فرنسا نشاطًا لجماعات يسارية متطرفة، مثل “الحركة الاجتماعية” و “اللجان المناهضة للفاشية”.

كما تشكل الذئاب المنفردة الإرهابية خطرًا متناميًا في فرنسا. تعتبر هذه الظاهرة المقلقة استنزافًا لأمن البلاد واستقرارها. تتميز الذئاب المنفردة بتنفيذ أعمالها الإرهابية بشكل فردي، مما يجعلها أكثر صعوبة في التعقب والكشف عنها قبل وقوع الهجمات.

على الرغم من التزام فرنسا بحقوق الإنسان والمساواة، إلا أنها تواجه تحديات في مجال تعاملها مع التعددية الثقافية والدينية. تظهر بعض الأحداث العنيفة والتمييز والتحامل بين المجتمعات المختلفة داخل البلاد. لذا، من المهم أن تعمل فرنسا على تعزيز التفاهم والتسامح بين أفراد المجتمع، وفقا لما جاء في ملف المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

 ‏التطرف في بلجيكا وهولندا ـ سياسات حكومية ساهمت بنشر التطرف

تعد بلجيكا نموذجاً مختلفاً بين دول أوروبا في طبيعة التهديدات التي تواجهها منذ عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من قصف وحصار إسرائيلي على قطاع غزة، خاصة وأن بلجيكا تضم أحياء ينتشر فيها متطرفون إسلاميون، وينظر إليها كبؤر كامنة حاضنة للتطرف، يتجدد ظهوره مع كل فترات سياسية مضطربة يشهدها العالم.

في السياق، أكد مركز تكافؤ الفرص في بلجيكا المعني بمكافحة العنصرية، ارتفاع مثير للقلق في عدد التقارير الخاصة بالجرائم المتعلقة بالصراع بين إسرائيل وحماس وسجل منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 7 ديسمبر 2023، (91) بلاغاً متعلقاً بحرب غزة، ويمكن تصنيف (9) حوادث كجرائم كراهية، وحملت (66) حادثة إشارات مباشرة إلى الأصل اليهودي، بينما حملت (8) حالات إشارات إلى أصل معتقدات دينية إسلامية.

وذكرت هيئة التنسيق البلجيكية لتحليل التهديدات (CUTA) في 27 نوفمبر 2023، أن زيادة التقارير المتعلقة بالتهديدات ضد اليهود، أدت لزيادة اليقظة الأمنية، خاصة وأنه ورد (70) تقريراً عن تهديدات، نصفهم معاديين للسامية عبر حوادث صغيرة النطاق بالشارع البلجيكي، وأخرى على شبكات التواصل الاجتماعي، لذا صنفت الاستخبارات البلجيكية (64) فرداً على أنهم متطرفين يمينيين، وأخضعت (702) فرداً للمراقبة الأمنية.

وقد دارت تصريحات المسؤولين البلجيكيين بين إدانة عملية حركة حماس، ورفض العقاب الجماعي للفلسطينيين، وقدم البرلمان البلجيكي مسودة قانون لحظر التجارة مع المستوطنين بالأراضي الفلسطينية. وشددت بلجيكا على ضرورة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لغزة.

 

تواجه فرنسا تحديات جمة في مكافحة التطرف وتثير بعض السياسات الحكومية المتبعة في هذا الصدد اتهامات بالازدواجية

 

كما أبدت بلجيكا رغبتها في 11 آذار/مارس 2024، للتدخل في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بالقطاع الفلسطيني. وأيدت في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قرار الأمم المتحدة للبدء في هدنة إنسانية بغزة، وكانت في مقدمة الداعيين لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن في 24 كانون الثاني/يناير 2024. وأعلنت في 3 نيسان/أبريل 2024 أنها ستدرس الاعتراف بدولة فلسطين.

بالتزامن، تأرجح موقف هولندا من أحداث غزة، ففي 16 تشرين الأول/أكتوبر 2023 قال رئيس وزراء هولندا مارك روته، إن “عمليات إسرائيل ضد حماس ضرورية، ولكن يلزم تنفيذها في نطاق القانون الدولي” وامتنعت في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023 عن التصويت على القرار الأممي بشأن الهدنة بغزة، ما أثار غضب (200) موظف بالقطاع العام ليتقدموا بطلب للحكومة لحث إسرائيل على وقف قصف غزة.

وقد رفع جهاز مكافحة الإرهاب الهولندي في 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، مستوى التأهب لمواجهة التهديدات الإرهابية لثاني أعلى درجة، قبل 3 أيام من توقيف أشخاص بهولندا يشتبه في انتمائهم لحماس والتخطيط لهجمات على مؤسسات يهودية.

ومع تصاعد المخاوف من تفاقم الوضع، سحب الزعيم اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز في 9 كانون الثاني/يناير 2014، مقترحات فرض حظر على المساجد وقيود على الحقوق الأساسية للمسلمين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية