لماذا لا ينتفض الشيعة على مشروع “حزب الله” في لبنان؟

لماذا لا ينتفض الشيعة على مشروع “حزب الله” في لبنان؟

لماذا لا ينتفض الشيعة على مشروع “حزب الله” في لبنان؟


14/05/2024

جورج حايك

لا يقبل “حزب الله” الرأي الآخر، فهو يشبه بتركيبته الأنظمة الاستبدادية المغلقة بل يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن النظام الإيراني ومفاهيمه في إدارة الدول، لكن ثمة من يعتبر أن لبنان يختلف بطبيعته عن إيران، وغالباً ما تغنّى اللبنانيون ببلدهم كواحة للحريات و ملجأ للمضطهدين، وبالتالي لا يهضمون مشروع “الحزب”، وتكثر الانتقادات للهيمنة التي يمارسها، وخصوصاً أنهم يعتبرون بأن هناك توازنات طائفية معيّنة وبالتالي لا أكثرية كبيرة لأي مكوّن طائفي كي يحكم البلد، في ظل وجود دستور يكرّس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

هذا الدستور الذي اتفق عليه اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية، معطّل اليوم بفعل فائض القوة التي يمتلكها “حزب الله” المسلّح والمموّل من إيران، لذا يمنع بالقوة أو بالحيلة أي معارضة جديّة تنشأ لمواجهته، مع ذلك يبدو أن النار تحت الرماد، وقد شهد الشارع اللبناني مواجهات عديدة مع سلاح “الحزب” بدءاً من بيروت في 7 أيار/مايو 2008، مروراً بعرب خلدة والكحالة وصولاً إلى عين الرمانة ورميش. إلا أن ثمة مَن يتساءل: أين هم الشيعة المعارضون لـ”حزب الله” في ظل هذه المعمعة؟

مشكلة “حزب الله”

 الجواب، كان عن طريق العنف، عندما قتل “حزب الله” الناشط المعارض هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية في وضح النهار ثم اغتال الناشط والباحث لقمان سليم، و الرجلان كانا من أشرس المعارضين له في البيئة الشيعية. 

أما الآخرون فأسكتهم بالتخويف أو التخوين وأحياناً بقطع الأرزاق، وبقيت هناك مجموعة صامدة في معارضتها، لكنها لا تحبّذ المواجهة من منطلق مذهبي أو طائفي بل تبحث عن مشروع وطني معارض لـ”حزب الله” تنضوي فيه. وأبرز هذه الوجوه الشيعية الكاتب والناشط السياسي علي الأمين، الذي قال لـ”الحل نت”: “لا أنكر أن حزب الله يمثّل جزءاً من الشيعة في لبنان، وهو ليس نتاجاً إيرانياً فقط، إنما هو مبني على مشروع بدأ العمل به منذ عقود، وقد توفّرت له الظروف وأصبح متحكّماً بدرجة كبيرة في الوضع الشيعي، إلا أن ليس كل الشيعة مع الحزب”.

لا شك في أن انتفاضة 17 تشرين الأول/نوفمبر 2019 شهدت اعتراضاً صارخاً على “حزب الله”، ويشير الأمين إلى أنها حصلت في الجنوب على نحو مميّز وكبير. ويضيف: “الساحة الشيعية، رغم كل الصعوبات، لم تخلُ من النُّخب التي تخوض معارك يومية مع الحزب، وأحياناً تختلف في ما بينها، وبالتالي أنا لا أرى أن مواجهة مشروع إيران في لبنان يكون بواسطة جبهة شيعية بل لبنانية، وأي جبهة معارضة منظّمة تحتاج إلى حاضنة ودعم، ولا بد من الاعتراف بأن حزب الله يلقى دعماً بمليارات الدولارات، فكيف نواجهه من دون أي دعم؟”.

دول وطوائف

هناك قوى سيادية لبنانية تعارض مشروع “حزب الله” إلا أن الأمين لا يثق بها لأنها دخلت بتسويات مع “الحزب”، ويرى “أن الموفدين الدبلوماسيين الأجانب يأتون إلى لبنان اليوم ليفاوضوا الرئيس نبيه برّي، كممثل للحزب، فأين المسؤولين الآخرين والقوى السيادية لتسأل: ما محل برّي من الإعراب طالما هناك رئيس حكومة ووزير خارجية؟”.

ويؤكّد الأمين أن “حزب الله” يدير اللعبة الطائفية عبر المحاصصة، و”المؤسف أن الجميع انغمس بهذه اللعبة الطائفية، مما يزيد نفوذه، وهذا المنطق بتقديري يبني مشروعاً سياسياً على قواعد المخاوف الطائفية والحزب لديه حلول لإسكات هذا المشروع. أما المشروع الفعّال فيجب أن يقوم على المزج بين ثورتي 14 آذار/مارس 2005 و17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، لأننا لم نعد قادرين على بناء دولة على قاعدة المحاصصة، فـ العنوانان السيادي والإصلاحي ضروريان”.

يبدو أن كُثراً من الشيعة اليوم يرفضون الحرب التي يخوضها “حزب الله” في الجنوب، وقد انعكست عليهم دماراً وتهجيراً، وهو يعتبر ألّا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ويعترف الأمين “أنه سيكون هناك تحوّلات وتبدّلات في نهاية الحرب وسيفقد محور الممانعة عناصر عديدة وأهمها القضية الفلسطينية، وخصوصاً أن (حزب الله) لا يستطيع أن يعيش إلا على العنصرين الأمني والعسكري”.

تاريخ لا علاقة له بإيران

يقول المؤرخ إبراهيم قطيش، لـ”الحل نت” أن الشيعة في لبنان هم مكوّن أساسي أصيل له جذوره في التاريخ ونضاله دفاعاً عن هذه الأرض إلا أن تحوّلاً طرأ عليه منذ عام 1982 نتيجة انتصار الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني، وتأسيس “حزب الله” وزعمه أنه مقاومة ضد إسرائيل. 

وربما فعل ذلك في مرحلة من المراحل مستفيداً من غياب الإمام موسى الصدر وتهميش الإمام محمد مهدي شمس الدين، الذي بشّر بالمقاومة الوطنية لا الإسلامية الشيعية المذهبية التابعة لإيران والتي تخدم مصالحها.

ويعود قطيش إلى تاريخ الشيعة في لبنان لافتاً إلى أنهم تمتعوا باستقلاليّة في لبنان في القرن الخامس عشر، حتى أن الشيعة نجحوا في حكم جبل لبنان وبعلبك وجبل عامل وتمرّدوا عن دفع الضرائب للعثمانيين. 

ويقول المؤرخ اللبناني: “كنا دائماً في حالة تمرّد، واعتبر السلطان العثماني أننا مجموعة من العُصاة وحلّل قتلنا، هذا ما جعلنا بالغريزة نلجأ إلى الدفاع عن النفس، فتمرّسنا في القتال والثورات وسعينا إلى حكم أنفسنا بقيادة قائد كان يدعى سرحان، حتى أُطلق اسمه على أحد الجبال اللبنانيّة، إضافة إلى قائد آخر اشتُهر في البقاع كان اسمه شديد الحرفوش وآخر اسمه الشيخ مشرف الوائلي”. 

ويضيف “كنا من الأُول الذين ثاروا ضد الانتداب الفرنسي، و واجهناه مع جميع اللبنانيين بصلابة. وكان المضمون الوحدوي في اتجاهه العربي- الإسلامي يستقطب أكثرية الشيعة اللبنانيين، فاندفعوا في تأييد الشعار الوحدوي. ولذلك، عندما أعلنت الحكومة العربية الأولى في دمشق، لاقت تأييداً في أكثر المناطق اللبنانية ومن ضمنها جبل عامل”.

أما مشكلة “حزب الله” وفق قطيش، فتكمن في فكره الديني- السياسي، إذ يعتبر نفسه جزءاً من أمة الإسلام في العالم، ويحارب كل من يعارض النظام الإيراني انطلاقاً من واجب شرعي أساساً، وعلى ضوء تصوّر سياسي عام يقرّره ولي الفقيه في إيران، وإن كان يتم على حساب لبنان. تلك العقيدة أصبحت جزءاً من ثقافته المرتكزة على الأحكام والفتاوى الصادرة عن الفقيه مرجع التقليد عنده!.

في المحصلة، ظُلمت الطائفة الشيعية في لبنان نتيجة استئثار “حزب الله” بقرارها السياسي، فهي جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني، إلا أن “حزب الله” أساء إلى صورتها وجعلها معزولة ومنطوية على نفسها، والمؤسف أنه إضافة إلى الضغوط الأمنية التي يشعر بها النُّخب المعارضة لـ”حزب الله”، فهو لا يسمح لها بالتحرّك بحرّية في البيئات الشيعية علماً أنها لا تمتلك القدرات المالية والإعلامية واللوجيستية، وتفضّل أن تكون معارضتها في إطار جبهوي وطني عريض.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية