مصر أمام فرصة تاريخية لقيادة مبادرة حظر الاستغلال السياسي للأديان

مصر أمام فرصة تاريخية لقيادة مبادرة حظر الاستغلال السياسي للأديان

مصر أمام فرصة تاريخية لقيادة مبادرة حظر الاستغلال السياسي للأديان


30/05/2024

زادت فرص إطلاق مبادرة عربية عالمية؛ لسنّ معاهدة دولية لاستئصال جذور الصراعات الدينية، بعد أن اكتسبت جهود إصدار تشريع خاص بمعاهدة دولية بحظر الاستخدام السياسي للأديان زخماً واسعاً خلال الفترة الماضية.

وقد اتسع الاهتمام الدولي بالمبادرة العربية العالمية لتشريع معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للأديان، مع تقدم المداولات بشأن مشروع قرار بدعم المعاهدة المقترحة من قبل مجلس أوروبا، في وقت يتزايد فيه خطر الصراعات الدولية التي تمتد جذورها عميقاً نحو الاستغلال السياسي للأديان.

وكشف أعضاء في إدارة المبادرة عن تقدم كبير في الحوار الرسمي مع عشرات الحكومات العربية والعالمية؛ من أجل تبنّي مشروع المعاهدة المقترحة لانطلاق إجراءات طرحها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكدوا أنّ المبادرة أصبحت على مسار راسخ على الأجندة الدولية، بعد أن حظيت بتأييد آلاف المسؤولين والبرلمانيين والزعامات الدينية والمدنية والسياسية في أكثر من (80) دولة حول العالم.

من أين جاءت المبادرة؟

جاء انطلاق المبادرة بعد نشر مقالة للكاتب العراقي سلام سرحان في صحيفة (الإندبندنت) البريطانية قبل نحو (5) أعوام، اقترح فيها تشريع معاهدة دولية لحظر كل أشكال استغلال الأديان، في انتهاك المساواة وفي التمييز في الحقوق والواجبات، وكذلك حظر الإقصاء الديني وجميع القيود على حرية الاعتقاد والعبادة.

ويقول عضو مجلس أمناء المبادرة، رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: إنّ المبادرة تراعي جميع الحساسيات الدينية بعناية فائقة، وتمثل فرصة تاريخية لوضع قواعد عالمية تحترم تقاليدنا، وتنهي دوامة التطرف والصراعات الدينية. وأكد أنّ مصر هي الأقدر على حماية رسالتها العادلة وتفادي قيام أطراف أخرى بإقحام قضايا مثيرة للجدل.

ويرى مؤسس المبادرة وأمينها العام سلام سرحان أنّها تستلهم جوهر السياسات المصرية، وتمثل فرصة للقاهرة لقيادة العالم نحو معالجة أخطر مشاكله في العقود الأخيرة.

وقال: إنّ مصر يمكن أن تقدّم للعالم من خلال المبادرة درساً في سبل استئصال جذور أسباب التطرف، وأكد أنّ المبادرة ستخدم الكثير من قضايا مصر الإقليمية والعالمية وتعزز مكانتها على الساحة الدولية.

مضمون المبادرة

يؤكد الموقع الإلكتروني لمنظمة (بيبيور إنترناشونال) www.bpur.org المسجلة في بريطانيا أنّ المبادرة لا تسعى لفصل الدين عن الدولة، بل ترى أنّ ذلك الفصل قد يهدد استقرار الكثير من الدول والشعوب، ويعطي ذخيرة مجانية للجماعات المتطرفة، وهو مرفوض أيضاً حتى في معظم الدول الغربية. ويشدد على أنّ المبادرة تسعى حصراً لتشريع قواعد عالمية لنزع أسلحة التطرف، وحظر جميع أشكال استخدام الدين كسلاح ضد الآخرين.

ويطالب مشروع القرار الأوروبي جميع الدول الأعضاء بدعم وتبنّي المعاهدة المقترحة على الساحة الدولية. ومن المتوقع صدور القرار خلال الأشهر المقبلة ليشكّل نقلة نوعية كبرى في مسارها نحو جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويبلغ عدد أعضاء مجلس أوروبا (46) دولة، إضافة إلى (9) دول بصفة مراقبين وشركاء، بينها المغرب والأردن وكندا والمكسيك.

وبلغت مداولات مشروع القرار، المنشور على موقع مجلس أوروبا، والذي تقدم به العام الماضي (41) برلمانياً من (19) دولة أوروبية، مرحلة متقدمة. وتضمنت جلسات الاستماع مشاركة الأمم المتحدة وشخصيات عالمية من المناطق التي شهدت نزاعات دينية في مختلف أنحاء العالم.

وأكد السياسي البريطاني وعضو مجلس الأمناء ستروان ستيفنسون أنّ المبادرة تكتسب أهمية كبيرة من كونها جاءت من منطقة الشرق الأوسط، أي من أكثر المناطق معاناة من الاستغلال السياسي للأديان ومن الحروب والصراعات الدينية، إضافة إلى أنّها حظيت بأكبر اهتمام بها من قبل حكومات دول تلك المنطقة. ودعا الحكومات العربية إلى تبنّي المعاهدة المقترحة من أجل إطلاق إجراءات إدراجها في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق وعضو مجلس مستشاري المبادرة، لنكولن بلومفيلد: إنّ العالم اليوم بأمسّ الحاجة إلى المعاهدة المقترحة لمواجهة موجات التطرف والإرهاب والصراعات الدينية. وأكد أنّ المعاهدة تقدم مدخلاً جديداً لتحديد المعايير المطلوبة من كل الدول والحكومات بدقة قانونية من أجل تسهيل رصد الانتهاكات وفضح الدول المتطرفة وتوحيد موقف المجتمع الدولي ضدها.

إشكالية الخلط بين الدين والسياسة

يقول ساويرس: إنّ مشكلة الخلط التعسفي بين المعتقدات الدينية ومسؤوليات الحكومات في فرض سيادة القانون، لا يمكن حلها على أيّ نطاق محلي، لا في فرنسا أو نيجيريا ولا في بريطانيا أو الهند أو أيٍّ من بلدان الشرق الأوسط، وإنّها مشكلة عالمية تحتاج إلى قانون دولي لكل بلدان العالم.

واستبعد أن ترفض أيّ دولة المعاهدة المقترحة، بسبب استنادها إلى قيم العدالة الأساسية، بل هي تدين كل من يعارضها، لأنّه يعترف بذلك بالسعي لاستغلال الدين في الإقصاء والتمييز بين البشر. وتوقع أن تستقطب المعاهدة إجماعاً عالمياً نادراً بسبب رسالتها العادلة وقدرتها على استمالة حتى الأطراف المتشددة نحو قيم العدالة والسلام.

وأكد ساويرس أنّ المطلوب من جميع حكومات العالم هو منع كل أشكال التمييز بين البشر على أسس دينية؛ وبذلك يتحول عدم الالتزام بالمعاهدة المقترحة إلى فضح الحكومات المتعصبة التي ترفض تلك القواعد العادلة.

وأضاف أنّ المعاهدة تقدم حلّاً قانونياً بديهياً وبسيطاً، يغني العالم عن مئات المقاربات المثيرة للجدل، والتي تؤجج نيران الصراعات الدينية في كل أنحاء العالم، رغم أنّها تزعم السعي لإطفائها.

وسبق للمغرب أن استضاف أول مؤتمر دولي عن المبادرة بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان و(7) منظمات مدنية مغربية، وقد شارك فيه مئات البرلمانيين والمسؤولين والزعامات الدينية ومنظمات المجتمع المدني من عشرات الدول من كل أنحاء العالم، من بينها دول عربية مثل مصر والإمارات والعراق والكويت.

وصدر عنه إعلان عالمي يدعو المجتمع الدولي وجميع الحكومات إلى تبنّي المعاهدة المقترحة على الساحة الدولية.

وأوضح سرحان أنّ المبادرة لديها حوار متقدم مع أكثر من (20) حكومة، بينها (7) حكومات عربية، لا مجال لذكرها لاعتبارات دبلوماسية، وأشار إلى اتصالات معلنة مع حكومات دول مثل إيطاليا والنمسا وبريطانيا وبلجيكا وبنغلادش ونيجيريا وجنوب أفريقيا. وأكد أنّ المبادرة وجهت رسائل رسمية إلى عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات العربية والعالمية، تقترح فيها تبنّي المبادرة على الساحة الدولية.

وأكد أنّ المعاهدة المقترحة تنطلق من أقصى احترام لجميع الأديان، وتنسجم مع سياسات جميع الدول المسؤولة والمعتدلة ومع مواقف جميع المراجع الدينية الملتزمة في العالم. وشدد على أهمية أنّ التشريع المقترح يأتي في صيغة معاهدة دولية ليصبح جزءاً من القانون الدولي، وأنّه لن يكون بصيغة الإعلانات والمواثيق  التي تفتقر إلى الصبغة القانونية الملزمة، والتي لدى العالم العشرات منها دون أيّ تأثير يذكر.

وأشار إلى أنّ هناك عشرات الملايين يطالبون بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، لكنّهم لا يدركون أنّ جهودهم تقدم في الغالب ذخيرة مجانية للجماعات الإرهابية. وشدد على أنّ المعاهدة المقترحة تقدم حلاً شاملاً لنزع فتيل كل الصراعات والحروب الدينية من خلال معايير بسيطة وواضحة تعزز شفافية العمل السياسي والحكومي وتحمي قدسية الأديان من استغلال المتطرفين والإرهابيين.

ويشير نص مشروع القرار في مجلس أوروبا إلى أنّ الاضطهاد الديني هو الانتهاك الأكثر شيوعاً لحقوق الإنسان في معظم أنحاء العالم، وأنّ أعداد الضحايا لا يمكن حصرها، لأنّها لا تقتصر على النساء والأطفال والأقليات الدينية، بل تشمل الأغلبيات الدينية في الكثير من الدول. ويشدد على حاجة العالم إلى حل عالمي ناجع وفعال لأقدم وأكبر مشكلة على مر التاريخ.

فرصة تاريخية 

شدّد سرحان على أنّ الدول العربية المعتدلة، مثل مصر والسعودية والإمارات والمغرب والبحرين والأردن، أمامها فرصة تاريخية لتبنّي المبادرة على الساحة الدولية كي تقدم للعالم رؤية جديدة في سبل مواجهة التطرف والإرهاب، خاصة أنّ هذه المبادرة تنطلق من تقاليدها وتستلهم جوهر سياساتها وتترجمها إلى معايير عالمية لمعالجة جذور أسباب الصراعات الدينية واستغلال قدسية الأديان.

وأكد أنّ الدولة التي تتبنّى المبادرة أوّلاً ستحظى بقيادة إجراءات إدراج المعاهدة المقترحة في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وتوجيه مسار الحوار الرسمي مع عشرات الحكومات والمنظمات العالمية. وأكد أنّ ذلك سيعزز مكانة تلك الدولة ويعطيها دوراً تاريخياً، حين تقود العالم لمعالجة أخطر مشاكله في العصر الحديث.

في حين يرى ساويرس أنّ الهدف الأكبر للمعاهدة المقترحة هو تعزيز استقرار منطقتنا والعالم والخروج من دوامات التطرف والحروب والصراعات الدينية. وتساءل عن عدد الحروب والصراعات التي كان يمكن تفاديها لو تم تشريع هذه المعاهدة قبل عشرات الأعوام؟ وهل كنا سنتجنب دمار عشرات الدول والكثير من الصراعات الحالية وانعكاساتها على كل أنحاء العالم؟

ودعا جميع الحكومات والمؤسسات والشخصيات العالمية إلى مساندة هذه المبادرة من أجل تشريع معاهدة دولية تاريخية تسهم في جعل العالم أكثر تسامحاً وأكثر عدلاً وسلاماً للجميع.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية