نشاط مكثف لتنظيم القاعدة في اليمن... ما الأسباب؟

نشاط مكثف لتنظيم القاعدة في اليمن... ما الأسباب؟

نشاط مكثف لتنظيم القاعدة في اليمن... ما الأسباب؟


03/09/2023

يثير نشاط تنظيم القاعدة المكثف في اليمن مؤخراً مخاوف من مخططات لإحياء التنظيم اعتماداً على الظرف السياسي المضطرب في البلاد، فضلاً عن حالة الهشاشة الأمنية، خاصة في مناطق الجنوب التي تقود فيها قوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي حرباً ضد التنظيم منذ عام، يبدو أنّها لم تنجح حتى اليوم في دحر عمليات التنظيم. 

وخلال آب (أغسطس) الماضي نفذ التنظيم مجموعة من العمليات استهدفت القوات الأمنية في الجنوب، حيث قتل (5) جنود خلال هجوم جديد نفذه مسلحو تنظيم (القاعدة) بمحافظة أبين جنوب اليمن مطلع الشهر، وقد نفذت قوات الأمن على مدار الشهر عملية واسعة ضد التنظيم، أسفرت عن ضبط أحد أبرز قيادات تنظيم القاعدة في محافظة لحج الجنوبية، والسيطرة على عدة مناطق كانت ضمن سيطرة التنظيم.

وأوردت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للباحث محمد فوزي أسباب ومآلات التصعيد العملياتي لتنظيم القاعدة في اليمن، والسيناريوهات المتوقعة في ضوء استمرار الأزمة السياسية والأمنية في البلاد. 

نهج عملياتي متصاعد

يقول الباحث: إنّه بالرغم من العمليات الأمنية المتصاعدة ضد تنظيم القاعدة في اليمن خلال الأشهر الأخيرة، إلّا أنّ الملاحظ هو أنّ النهج العملياتي الخاص بالتنظيم يأخذ اتجاهاً تصاعدياً منذ عام 2022 وصولاً إلى يومنا هذا، خصوصاً في مناطق الجنوب، حتى أنّ بعض التقارير الميدانية رصدت خلال النصف الأول من العام الحالي نحو (38) عملية إرهابية نفذها التنظيم في اليمن، وأدت إلى سقوط قرابة الـ (100) شخص. 

نهج العملياتي للقاعدة في اليمن

ويعيد الباحث هذا التصعيد إلى عدة عوامل؛ أوّلها تجاوز الضربات الأمنية، حيث يشير النهج العملياتي المتصاعد لتنظيم القاعدة في اليمن إلى أنّه استطاع بدرجة أو بأخرى التكيف مع الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرّض لها من القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي، بل تجاوز هذه الضربات إلى الحدّ الذي تجاوز معه مرحلة إثبات الوجود والاعتماد على النهج الدفاعي، ووصل إلى مرحلة تنفيذ عمليات إرهابية بشكل متواصل ومستمر، متبنياً بذلك النهج الاستباقي والهجومي.

تطوير نهج عملياتي

بحسب الدراسة، يجد المتابع للنهج العملياتي للقاعدة في اليمن أنّ هذا النهج قائم بشكل أساسي على استخدام العبوات الناسفة التي يتم زرعها في طريق الحملات الأمنية وفي نطاق مراكز نفوذه وتمركزات عناصره، فضلاً عن متغير عملياتي جديد ومهم تمثل في استخدام الطائرات المسيّرة في عمليات التنظيم، وقد نفذ التنظيم أكثر من عملية بالطائرات المسيّرة ضد القوات الحكومية في محافظة شبوة جنوبي اليمن. 

وتُشير بعض التقديرات إلى أنّه في ضوء عدم امتلاك التنظيم في اليمن لتقنيات تصنيع الطيران العسكري المُسيّر، فإنّه لجأ إلى الحصول على هذه الطائرات عبر وسطاء محليين أو عبر اغتنامها خلال بعض المعارك.

الاتجاه جنوباً 

أشارت بعض التقارير إلى أنّ زعيم تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي عقد اجتماعاً في مطلع العام الحالي مع من تبقى من قيادات التنظيم، وأعلن فيه عن سياسته العسكرية المؤسسة على مبدأ "الاتجاه جنوباً"، القائمة على عداء قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي. 

ويدعم النهج العملياتي للتنظيم صحة هذه السردية، خصوصاً أنّ عمليات التنظيم في الأشهر الأخيرة ركزت على محافظتي عدن وحضرموت، ومواقع القوات العسكرية الحليفة للدولة اليمنية، إلى جانب استهداف القوات العسكرية والأمنية الرسمية في محافظات شبوة ولحج وأبين، وفق الدراسة. 

ترهيب الموظفين الأمميين

اتبع تنظيم القاعدة في اليمن سياسة تقوم على ترهيب الموظفين والبعثات الأممية العاملة في اليمن، وهو ما تجسد بشكل واضح بعد إعلان الأمم المتحدة في شباط (فبراير) من العام الماضي عن اختطاف (5) من موظفيها في محافظة أبين (جنوب اليمن) أثناء عودتهم من مدينة عدن الساحلية بعد "مهمة ميدانية". 

 بالرغم من العمليات الأمنية المتصاعدة ضد تنظيم القاعدة في اليمن خلال الأشهر الأخيرة، إلّا أنّ الملاحظ هو أنّ النهج العملياتي الخاص بالتنظيم يأخذ اتجاهاً تصاعدياً منذ عام 2022

وفي مطلع تموز (يوليو) نشر تنظيم القاعدة في اليمن تسجيلاً مصوراً جديداً يظهر موظفاً بنغلاديشياً في الأمم المتحدة مخطوفاً منذ (16) شهراً في اليمن، وفق ما أعلن موقع (سايت) المتخصص في رصد الجماعات المتطرفة، وقال الموقع: إنّ "تنظيم القاعدة نشر فيديو يمثل دليلاً على أنّ المواطن البنجلاديشي أكام سوفيول أنام، مسؤول قسم السلامة والأمن لدى الأمم المتحدة في عدن، على قيد الحياة". 

إعادة تنظيم الصفوف 

تُظهر العمليات الأخيرة المتصاعدة لتنظيم القاعدة في اليمن، بحسب الباحث، أنّ التنظيم استطاع بشكل نسبي إعادة بناء هياكله التنظيمية، وأنّ هذه العمليات تُشير إلى إعداد تنظيمي وقدرة على التنقل والحركة وتنفيذ الهجمات، بما يعكس أنّ التنظيم استطاع إعادة تشكيل أعضائه واختيار قيادات جديدة، على الرغم ممّا لحق بقياداته خلال الأعوام الماضية من تصفيات، فضلاً عن القدرة على استقطاب عناصر ودماء جديدة مكنته من رفع كفاءته وتوسيع عملياته.

أحد الاعتبارات الرئيسة التي يمكن في ضوئها فهم أزمة تنظيم القاعدة في اليمن، يتمثل في حالة التراجع العام الذي يشهده تنظيم القاعدة على المستوى الإقليمي، في مقابل الصعود الكبير لتنظيمات أخرى، وعلى رأسها تنظيم داعش

كما يعكس النهج العملياتي المتصاعد لتنظيم (القاعدة) في اليمن استفادة التنظيم من بعض الظروف والسياقات المحفزة لنشاط الفاعلين المسلحين من دون الدولة، سواءً الظروف السياسية المرتبطة بالأزمة بين هياكل الشرعية اليمنية والصراع بينها وبين المجموعات الحوثية، أو الظروف الاقتصادية الهشة التي استغلها التنظيم من أجل استقطاب كوادر وعناصر جديدة.

أزمات تهدد بقاء التنظيم 

في مقابل سياقات ودوافع العودة، يرصد الباحث جملة عوامل من شأنها عرقلة مخططات تنظيم (القاعدة) في اليمن؛ وهي: 

أوّلاً: الخلافات بين قيادات التنظيم، وتُشير بعض التقديرات إلى وجود صراع قيادة في الفترة الراهنة بين (خالد باطرفي)، و(أبو علي الديسي) مسؤول الدعوة والمشرف على معسكرات التجنيد، و(أبو أسامة الدياني) أحد القيادات الميدانية البارزة، والذي يُقال إنّه المسؤول عن إمداد التنظيم بالطائرات المُسيّرة، وبين بعض القيادات الأخرى داخل التنظيم، وعلى رأسهم (سعد العولقي) الزعيم الإرهابي المهيمن في جنوب اليمن والمنتمي إلى محافظة شبوة.

وترى بعض الدوائر القاعدية المناوئة لخالد باطرفي أنّ العولقي كان أحق بزعامة التنظيم عقب قاسم الريمي، لما له من علاقات مع قبائل الشمال والجنوب، بخلاف باطرفي الذي تتركز علاقاته في الجنوب، لكنّه تفوق على العولقي بحضوره الإعلامي وشهرته في الخارج، ممّا زاد من حظوظه بتولي الزعامة.

ثانياً: خلافات حول أولويات العمل الميداني، وترى القيادات المعارضة لخالد باطرفي ونهجه العملياتي القائم على التوجه جنوباً ضد قوات الشرعية اليمنية والقوات المتحالفة معها أنّ هذا النهج العملياتي مرفوض، ولا يمثل أولوية بالنسبة إلى التنظيم في المرحلة الراهنة، وفي المقابل ترى أنّ الأولوية في الفترة الراهنة تتمثل في ضرورة مواجهة الحوثيين، بدلاً من قوات المجلس الرئاسي اليمني.

ثالثاً: التراجع العام لتنظيم القاعدة، يرى الباحث أنّ أحد الاعتبارات الرئيسة التي يمكن في ضوئها فهم أزمة تنظيم القاعدة في اليمن يتمثل في حالة التراجع العام الذي يشهده تنظيم (القاعدة) على المستوى الإقليمي، في مقابل الصعود الكبير لتنظيمات أخرى، وعلى رأسها تنظيم (داعش)، ويعيش تنظيم (القاعدة) أوضاعاً متأزمة على أكثر من مستوى، فباستثناء فرع حركة الشباب في الصومال، لا تحظى أيّ أفرع قاعدية بالقوة نفسها التي كانت عليها في العقود الأخيرة، فضلاً عن الأزمات المالية الكبيرة التي يعاني منها التنظيم.

مواضيع ذات صلة:

ارتباك الحوثي وتراجع نفوذ الإخوان

اليمن بين تلغيم الأرض وتفخيخ العقل... ونيران الحوثي تمتد إلى المساجد

مجلس القيادة الرئاسي اليمني.. مهام ثقيلة في لحظة فارقة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية