هل من المبكر التفاؤل بنجاح التقارب بين السعودية وإيران؟

هل من المبكر التفاؤل بنجاح التقارب بين السعودية وإيران؟

هل من المبكر التفاؤل بنجاح التقارب بين السعودية وإيران؟


16/03/2023

فيصل عباس

ولّد الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي بين السعودية وإيران، بوساطة صينية، الكثير من الأحاديث والتحليلات، إلّا أن على المحللين أن يتذكروا أن الاتفاق، الذي استأنف الطرفان بموجبه علاقاتهما الدبلوماسية وتعهّدا بعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض، لم يمضِ عليه سوى أيام قليلة. فلا يمكننا أن نتوقع، بين ليلة وضحاها، اختفاء أربعة عقود تمادت خلالها إيران بتبنّي سياسات عدائية واستثمرت في زعزعة الأمن الإقليمي.

على الرغم من ذلك، قررت القيادة السعودية منح فرصة للسلام من منطلق المسؤولية والترفع، إذ ما هو على المحك في هذا الصراع بالنسبة لها يفوق ما هو على المحكّ بالنسبة للقيادة في طهران. وإذا ما أرادت إيران البقاء في أجواء عام 1979، فإن هذا الخيار يعود لها. أما في بلادنا، فتضع قيادتنا رؤية 2030 نصبأ أعينها. كما أننا نسعى لتنويع اقتصادنا وإنشاء قطاعات جديدة والترحيب بالسياح واستضافة فعاليات رياضية وترفيهية عالمية. وبالتالي، لا نمانع أبداً الاستغناء عن التهديدات اليومية الآتية من هذا الجار المزعج.

ويبعث ما نُشر من أخبار خلال الأيام القليلة الماضية على الاطمئنان، حيث قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن الأجواء الإيجابية مع الرياض قد تؤدي إلى حلّ في اليمن، البلد الذي تستهدف ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران منه، مدن السعودية وسكانها. ونعتبر أن هذه الأخبار إيجابية ونُرحب بها.

وكشفت مصادر خاصة أن المبادرة الصينية ولدت خلال زيارة الرئيس شي جينبينغ إلى المملكة في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. لذا، فإن بكين تستحق الثناء لا على إنجازها هذا الاتفاق فحسب، بل على إنجازها إياه في فترة قياسية لم تتجاوز الثلاثة أشهر، وفي ذلك تأكيد على أن الصينيين يستحقون سمعة الكفاءة والفعالية التي يتمتعون بها.

قيل إن حديثًا جرى على مستوى القيادة وتمّ خلاله تسليط الضوء على الطرق التي من خلالها يهدّد النشاط الخبيث لإيران الأمن القومي للصين ومصالحها الأخرى.

وتُصدر السعودية أكثر من 1,7 مليون برميل نفط إلى الصين يومياً. وتُعدّ كميات النفط هذه ضروريةً للصين، إذ تمكّنها من متابعة أعمالها وتشغيل مصانعها. وبالتالي، عندما تستهدف إيران أو ميليشياتها البنية التحتية النفطية للسعودية، تكون الصين من المتأثّرين أيضاً. وعندما تهدّد نشاطات إيران أمن الملاحة البحرية، لا تستطيع الصين الحصول على النفط الذي تحتاجه، ما يقوّض قدرتها على إيصال منتجاتها إلى الأسواق الضخمة في الشرق الأوسط.

وتبرز في هذا السياق أيضاً فرصة ضائعة أخرى بالنسبة للصادرات الصينية ومبادرة الحزام والطريق. فتخيّلوا لو أن بلدان سوريا ولبنان والعراق واليمن كانت تستهلك المنتجات الصينية بكثرة. ولكن، عوضاً عن ذلك، نجد أنها، بفضل التدخل الإيراني، باتت دولاً فاشلةً ومضطّربةً.

وكما سبق أن ذكرت، تحتلّ الصين أيضاً موقعاً محايداً في المنطقة، حيث لا تاريخ استعماري أو عدواني لها. فقد حافظت بكين على حيادها حيال معظم صراعات الشرق الأوسط وتركّزت سياساتها على التجارة.

وإذا ما كان هناك من جهة قادرة على الضغط على إيران، فهي الصين، حيث تعهّدت بكين باستثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً، سيذهب 280 مليار دولار منها نحو تطوير قطاع النفط والغاز. وتُعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لإيران وتصدّر التكنولوجيا النووية والعسكرية إليها. وبالتالي، تضع الصين صورتها كقوة عُظمى، على المحك، وذلك عبر تأديتها دور الضامن لهذا الاتفاق، ولكن لديها أيضاً الكثير لتكسبه إذا ما احترم الإيرانيون التزاماتهم.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيفعل الإيرانيون ذلك؟ باختصار، الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال. أما الجواب الذي يطول شرحه، فهو أن الجانب المتفائل في تقديراتنا يوّد أن يرى هذا الاتفاق يتحقّق على أرض الواقع، ما من شأنه أن يضع حداً للأنشطة الخبيثة التي تضطّلع بها جهات مدعومة من طهران في بلدان مثل العراق ولبنان وسوريا. أما الجانب الواقعي في تقديرنا أيضاً، فينذر في أن سجل إيران، من حيث التزامها بالاتفاقات، لا يبعث على الاطمئنان. فلا عجب في أن المسؤولين في الرياض تريثوا أكثر بكثير من المسؤولين في طهران ليقتنعوا بالصفقة، وهذا بحسب الأصداء التي سمعناها خلال الأيام القليلة الماضي.

لكن ما يعصى فهمه هو الموقف السلبي لبعض النقاد الأميركيين إزاء هذا الاتفاق وتشكيكهم به. يحتاج هؤلاء الخبراء المزعومين في واشنطن إلى من يُذكّرهم أنه إذا ما ترسّخ هذا الاتفاق وتمّ المضي قدماً به، فإنه، في الواقع، سيخدم المصالح الأميركية. فلنأخذ أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر والخليج مثلًا وكم سيُسهم ذلك في خفض كلفة العمليات الأمنية والعسكرية الأميركية مع زيادة عدد الأسواق التي للمصنّعين الأميركيين وصول إليها، ما سيُسهم في توفير وظائف إضافية للأميركيين.

يبدو أن هؤلاء المشككين قد نسوا أن باراك أوباما – وهو رئيس ديمقراطي سابق تماماً مثل جو بايدن – هو من صرّح خلال مقابلته الشهيرة مع مجلة "ذي أتلانتيك" في العام 2016 قائلًا إن السعودية وإيران يجب أن تتعلما "التعايش معاً". لذا، يبدو أن السعودية لا يمكنها أن تنجو من انتقادات هكذا أشخاص، سواء قرّرت الاستماع إلى نصيحة الولايات المتحدة أو لا.

ولكن هذا لا يهم حقاً، إذ يتوجّب على الولايات المتحدة وباقي المجتمع الدولي أن يدعما هذا الاتفاق بكل الطرق الممكنة بهدف إنجاحه. فهكذا اتفاق يمكنه أن يُحدث تغييراً جذرياً وأن ينعكس إيجاباً لا على هذه المنطقة فحسب، بل على العالم بأسره. وإذا ما نجحت هذه الجهود، يجب أن يُنسب الفضل إلى القيادة في الرياض كونها أظهرت مهارةً عاليةً في طريقة لعبها لأوراقها ونجحت في تطبيق نصيحة الاستراتيجي الصيني العظيم "سون تزو" التي ذكرها في كتابه المُعنون "فن الحرب"، حيث قال إن "إخضاع العدو من دون قتال يشكّل ذروة المهارة".

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية