التقارب الإيطالي التركي في الملف الليبي: مصالحة أم مصالح؟

التقارب الإيطالي التركي في الملف الليبي: مصالحة أم مصالح؟

التقارب الإيطالي التركي في الملف الليبي: مصالحة أم مصالح؟


22/01/2023

"إيطاليا وتركيا تشاطران التزاماً قوياً بسيادة ليبيا، أمن أراضيها، ووحدتها الوطنية". تصريح لافت لنائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، خلال زيارته للعاصمة التركية، أنقرة. وأضاف: "بلدانا من بين الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لليبيا، وكلانا يريد أن يرى ليبيا مستقرة ومزدهرة أخيراً". لافتاً إلى أنّ "لدى إيطاليا وتركيا رؤية مشتركة حول ليبيا". 

تُقرأ تصريحات الوزير الإيطالي من واقع أنّ البلدين مُتهمان باختراق السيادة الليبية، عبر التواجد العسكري لكليهما، خصوصاً في مدينة مصراتة، وبتوقيع اتفاقيات ثنائية مع حكومة منتهية ولايتها، دون عرضها لنيل الموافقة من مجلس النواب الليبي، فضلاً عن ازدهار مصالح الدولتين في ظل الوضع الليبي الحالي، الذي يسوده الانقسام والفساد المالي، وعدم رغبة البلدين في وضع جديد يأتي عبر الانتخابات، التي تهدد علاقاتهما المميزة ووجودهما العسكري غير الشرعي في الغرب الليبي.

أنقرة وروما

زار نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، أنقرة في 13 من كانون الثاني (يناير) الجاري، والتقى  نظيره وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، وبحثا العلاقات الثنائية وقضية الهجرة والأزمة الليبية، بحسب ما أعلنته الخارجية الإيطالية.

صدّرت ليبيا نحو 2.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى إيطاليا في العام الماضي تمثّل نحو 40% من إنتاجها عبر خط نقل الغاز البحري

تأتي تلك الزيارة في الوقت الذي تشهد فيه الجهود الأممية والدولية والمصرية زخماً غير مسبوقٍ للدفع نحو الخروج من الانسداد السياسي في ليبيا. شهدت القاهرة لقاءً ثنائياً بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، اتفقا فيه على صياغة خريطة طريق تشمل حسم ملف المناصب السيادية، والتوصل لأساس دستوري تُجرى الانتخابات وفقاً له، مع اللجوء إلى الاستفتاء لحسم النقاط الخلافية، وتوحيد السلطة التنفيذية.

احتضنت العاصمة المصرية لقاءين مهمين بين رئيس المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية محمد المنفي، والقائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر. كما شهدت مدينة سرت الليبية عودة لقاءات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) بعد توقف لأشهر، بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية في ليبيا، عبد الله باتيلي، لبحث التهدئة العسكرية وملف التواجد العسكري الأجنبي والمرتزقة.

يرى رئيس حزب السيادة الوطنية الليبية، إبراهيم محمد بن عمران، بأنّ الغرب الليبي محتل من البلدين، عبر التواجد العسكري والاستخباراتي، بينما ذلك التواجد مرفوض في شرق وجنوب ليبيا. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ تواجد تركيا وإيطاليا يعتمد على حكومة الدبيبة المنتهية الولاية، والذي يعتبره الليبيون "خائناً"، بعد التفريط في السيادة الوطنية وتسليمه مواطن ليبي مشتبه به في قضية لوكربي.

إبراهيم بن عمران: الغرب الليبي محتل من تركيا وإيطاليا

من جانبه، قال الصحفي الليبي والباحث في الشؤون المغاربية، إدريس حميد، بأنّه تاريخياً كانت تركيا تستعمر ليبيا، وسلمتها لإيطاليا بناء على اتفاقية أوشي لوزان (1912)، وتطورت العلاقات بين المستعمرين وليبيا، وأصبحت إيطاليا الشريك الأول مع ليبيا، واستثمرت في قطاع الطاقة.

وأفاد لـ"حفريات" بأنّه بعد العام 2011 وسقوط نظام القذافي، تعرضت مصالح البلدين الكبيرة في ليبيا للتعطل، وتوقفت المشاريع التي كانت لشركات الدولتين؛ الطاقة لإيطاليا والإنشاءات لتركيا، فضلاً عن تنامي أزمة الهجرة غير الشرعية التي تواجه إيطاليا وتعد ليبيا أهم ممر لها.

الطاقة والهجرة غير الشرعية

وبحسب تقديرات لدى إيطاليا نحو 400 عسكري في مدينة مصراتة، وتتمتع بعلاقات وطيدة مع المجتمع المحلي في المدينة، عبر تقديم خدمات صحية عن طريق المستشفى العسكري الإيطالي، وغير ذلك من الخدمات والعلاقات الوثيقة بين الطرفين.

تتولى القوات الإيطالية مسؤولية تدريب قوات أمنية وعسكرية ليبية خاضعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، وتعمل بتناغم مع الوجود العسكري التركي المهيمن على طرابلس وغرب البلاد.

اقتصادياً، تصدرت إيطاليا قائمة شركاء ليبيا التجاريين بقيمة 10.17 مليار يورو خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2022، بنسبة نمو تبلغ 75% عن الفترة نفسها من العام 2021، وبحصة سوقية نسبتها 23.5%، بحسب بيانات نشرتها السفارة الإيطالية لدى ليبيا.

الصحفي الليبي إدريس حميد لـ"حفريات": هناك صراع مصالح حول ليبيا؛ بسبب الفرص الاقتصادية الواعدة فيها، خاصةً في مجال الطاقة الذي تتنافس عليه دول أوروبا

وصدّرت ليبيا نحو 2.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى إيطاليا في العام الماضي، تمثّل نحو 40% من إنتاجها، عبر خط نقل الغاز البحري "غرين ستريم" الذي يربط بين مدينة زوارة في غرب ليبيا وجزيرة صقلية الإيطالية.

إلى جانب الطاقة، عقدت إيطاليا اتفاقيات غير مُعلنة مع ميليشيات في غرب ليبيا لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر إلى أراضيها. وتعرضت إيطاليا لانتقادات حقوقية واسعة بسبب تعرض المهاجرين غير الشرعيين لانتهاكات جسيمة في السجون التي تديرها ميليشيات مدعومة من روما.

عبد الحميد القطروني: من الضروري مغادرة القوات الأجنبية

بدوره يشدد الناشط المدني وعضو حزب السيادة الوطنية الليبية، عبد الحميد القطروني، بأنّ على إيطاليا وتركيا إذا أرادتا ضمان مصالحهم في ليبيا، المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار بالطريقة التي تدعم انتخابات حرة نزيهة وشفافة. وشدد لـ"حفريات" على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية التركية والروسية والإيطالية والمرتزقة الأجانب. 

ونوه بأنّ "الأزمة في ليبيا أمنية وليست سياسية". وأوضح أنّ مصالح روما لن تتحقق إلا عبر حكومة شرعية تأتي عبر الانتخابات العامة، وليس بعقد اتفاقيات مع حكومة منتهية الولاية، وعلى أسس احترام السيادة الليبية، وأنّ تحقق المنافع المتبادلة للبلدين، غير ذلك فلن تتحقق مصالح روما وستظل محط شكوك من الشعب الليبي.

عرقلة الانتخابات

ويعتبر التواجد العسكري التركي سواء المباشر بقوات تركية وغير المباشر عبر المرتزقة الذين جندتهم العائق الأكبر أمام إنهاء الانقسام في ليبيا، وتهيئة الظروف المناسبة لعقد الانتخابات العامة؛ الرئاسية والبرلمانية. ورغم تأكيد إيطاليا على دعم الانتخابات، كما في تصريحات وزير خارجيتها، الذي وجه دعوة إلى المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، لزيارة إلى روما، إلا أنّ اصطفافها في جانب تركيا، والتأكيد على اتساق مواقفهما من الأزمة، يشي بأنّ روما يناسبها الوضع القائم.

تحصل روما على 40% من الغاز الليبي، وهي الحصة التي تريد ليبيا تقليصها لتنامي حاجتها الداخلية في إنتاج الكهرباء والصناعة، ولهذا ربما تساوم روما لاستمرار هذه الحصة كاملةً، مقابل توفير الدعم لحكومة الدبيبة.

يقول رئيس حزب السيادة الوطنية الليبية، بأنّ تركيا حاولت إعادة هيمنة العثمانيين على شمال إفريقيا والشرق الأوسط لكنها أخفقت، ونجحت في ذلك في غرب ليبيا، وكذلك إيطاليا بحكومتها اليمينية الحالية تحاول التواجد في الغرب الليبي، وهمها إيقاف اجتياح الهجرة غير الشرعية واستمرار ضخ الغاز. وأضاف "كلاهما يريدان المال باسم إعادة الإعمار والتجارة".

إدريس حميد: تاريخياً كانت تركيا تستعمر ليبيا وسلمتها لإيطاليا

بدوره قال الصحفي إدريس حميد، بأنّ هناك صراع مصالح حول ليبيا؛ بسبب الفرص الاقتصادية الواعدة فيها، خاصةً في مجال الطاقة الذي تتنافس عليه دول أوروبا، التي تأثرت سلباً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وفي السياق ذاته، تستعد رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، لزيارة ليبيا والجزائر خلال الأسابيع المقبلة بهدف تسريع العمل بشأن ملف المهاجرين والطاقة. ويبدو من تتبع السياسة الإيطالية تجاه ليبيا، أنّ الأزمة الليبية بالنسبة لروما تنحصر في استمرار تدفق صادرات الغاز الطبيعي خصوصاً في فصل الشتاء، والحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، عبر التنسيق مع ميليشيات تتبع حكومة الوحدة المنتهية ولايتها. عدا ذلك لن يكون من مصلحة روما دعم حلول أممية تنزع الشرعية عن حكومة الدبيبة، وتؤسس لسلطة شرعية عبر الانتخابات العامة، قد تعيد النظر في العلاقات بين طرابلس وروما.

مواضيع ذات صلة:

كيف يعمل الإخوان في إيطاليا؟

هل فتحت تركيا الأبواب أمام المهاجرين إلى أوروبا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية