بعد أحداث سجن غويران... علاقة تركيا مع داعش تعود إلى الواجهة

بعد أحداث سجن غويران... علاقة تركيا مع داعش تعود إلى الواجهة


31/01/2022

رغم أنّ تركيا ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، ورغم حملات الاعتقال التي تعلن عنها الأجهزة الأمنية من وقت إلى آخر ضد إرهابيين، إلّا أنّ أصابع الاتهام بالتعاون مع التنظيم الإرهابي أشارت منذ أعوام إلى نظام العدالة والتنمية  الذي يترأسه رجب طيب أردوغان.

آخر تلك الاتهامات برزت مع أحداث سجن غويران في الحسكة السورية، فقد اتهمت مصادر سورية كردية حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بالهجوم على سجن الحسكة شمال شرق سوريا الذي يضمّ أعضاء وقادة تنظيم داعش.

ونقل موقع (The Morning Star) الإخباري عن قياديين أكراد سوريين، رفضوا الكشف عن هويتهم، القول إنّ الهجوم كان له "هدف أوسع" من مجرّد إطلاق سراح الجهاديين المسجونين.

وقال موقع "دي مورنينج ستار": إنّ قوات سوريا الديمقراطية وزّعت يوم الأحد صورة لسلاحٍ مُدوّن عليه بالتركية أنّه مخزون لحلف شمال الأطلسي، زاعماً أنّه تم العثور عليه بحوزة أحد مقاتلي داعش.

وقال مسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا للموقع الإلكتروني: إنّ نظام أردوغان يحاول إحياء داعش في مسعى لتدمير أمن المنطقة والمكاسب التي تحققت لصالح الأكراد، زاعمين أنّهم يحوزون الأدلة والوثائق التي تثبت مزاعمهم.

 

مصادر سورية كردية تتهم حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة أردوغان بالهجوم على سجن الحسكة شمال شرق سوريا

 

وكان تنظيم داعش قد شنّ يوم 20 كانون الثاني (يناير) الجاري هجوماً على سجن الصناعة في منطقة الغويران بمدينة الحسكة شمال شرق سوريا، حيث يحتجز ما لا يقل عن (3500) من عناصر التنظيم، بمن فيهم على المستوى القيادي، بحسب ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن تستطيع قوات قسد استعادة السيطرة على السجن.

وبلغ عدد القتلى من الجانبين منذ بدء الهجوم (172) شخصاً، من بينهم (119) من مقاتلي داعش، و(7) مدنيين، و(46) من أفراد قوات الأمن، بمن فيهم حراس السجن، علماً أنّ القوات العسكرية والأمنية تواصل البحث عن سجناء داعش الهاربين.

 

قوات سوريا الديمقراطية توزع صورة لسلاح تمّ العثور عليه بحوزة أحد مقاتلي داعش من مخزون حلف شمال الأطلسي مدوّن عليه بالتركية

 

وعن الأمثلة التي تؤكد علاقة تركيا بداعش قصة الإرهابي السوري الذي أصدر أوامر بقتل جنديين تركيين قبل أعوام بشكل وحشي، في دماء يتاجر بها النظام وتكشف صلته بالتنظيمات المسلحة.

وحول الحادثة نشر موقع "نورديك مونيتور" السويدي تقريراً قال فيه: إنّ قضية "قاضٍ" في تنظيم داعش تُعتبر أحدث مثال على فشل حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمع الجماعات المتطرفة.

وذكر الموقع السويدي، في تقريره أنّ ما أزيح عنه الستار مؤخراً بشأن أنّ "قاضياً" بالتنظيم أصدر أمراً بحرق جنديين تركيين وهما على قيد الحياة عام 2016، قد عاش في تركيا حرّاً على مدار أعوام.

وأضاف الموقع أنّ جمال عبد الرحمن علوي، سوري يبلغ من العمر (64) عاماً، عمل قاضياً لصالح داعش، وأمر بعقوبات إعدام بحقّ كثيرين، بينهم الجنديان التركيان فتحي شاهين وسفر طاش، وتبيّن أنّه يعيش في تركيا كلاجئ بمحافظة غازي عنتاب، حيث توجد خلايا نشطة للتنظيم.

 

"نورديك مونيتور" السويدي، "قاضٍ" في تنظيم داعش أصدر أمراً بحرق جنديين تركيين وهما على قيد الحياة عام 2016، عاش في تركيا حرّاً على مدار أعوام

 

انتقل علوي، الذي يُعرف أيضاً باسمه الحركي أبوعبد الله الشام، إلى تركيا عندما واجه داعش غارات كثيفة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، وأسّس متجراً في غازي عنتاب، وتزوّج عدة زوجات، وعاش حياة طبيعية في تركيا التي يقيم فيها حوالي (4) ملايين سوري للهرب من الصراع في سوريا.

وعلوي معروف بالفعل لدى السلطات التركية، لا سيّما جهاز الاستخبارات؛ إذ عمل بمنطقة خاضعة لسيطرة المتطرفين قرب الحدود التركية.

وغيابياً، كان يُجرى تحقيق بشأنه فيما يتعلق بمقتل اثنين من الجنود الأتراك اللذين ظهرت عملية قتلهما الوحشية عبر مقطع فيديو نُشر في 22 كانون الأوّل (ديسمبر) عام 2016. وكان (3) من عناصر داعش الأتراك، هم: طالب أكورت، وحسن أيدين، ومحيي الدين بويوكيانجوز، متورطين في تنفيذ أوامر علوي.

 

التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2020 يصنّف تركيا على أنّها بلد عبور ومصدر للمقاتلين الإرهابيين الأجانب

 

وقد حدّدت الشرطة التركية هوية "علوي" تحت اسم جمال علوي باستخدام الهجاء التركي، في تقرير صادر عام 2017، أي بعد فترة قصيرة من عمليات الإعدام، بالرغم من أنّ جهاز الاستخبارات الوطنية التركي كان لديه علم بشأنه قبل ذلك بفترة طويلة.

ومع ذلك، لم يتعرّض له أحد عندما قرر الانتقال إلى محافظة كلس التركية على الحدود السورية، قبل أن يستقر في النهاية في غازي عنتاب المجاورة.

وقد سُجن علوي في 15 حزيران (يونيو) عام 2020، بعدما تلقت الشرطة معلومات من مجهول، بحسب تقارير، ومع ذلك، لم يتمّ نشر تسريب خبر احتجازه سوى بصحيفة "صباح" اليومية، المملوكة لعائلة أردوغان.

لكنّها صوّرت القصة علوي على أنّه رجل تاب عن خطاياه، وتوسّل السلطات التركية للرحمة، وبكى أثناء شهادته، ومسح دموع عينيه، وطبقاً للقصة التي كتبها نظيف كهرمان بالصحيفة، وهو رجل على صلة بالمخابرات التركية، قال علوي: إنّه كان مسؤولاً عن رعاية (5) نساء و(10) أيتام.

 

بيشتاش تتهم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان بتفويض العصابات المسلحة بداية من "أحرار الشام"، وحتى "داعش"، لقتل الأكراد نيابة عنه

 

وتزامن اعتقال علوي المتأخر ونشر الخبر بالصحيفة مع زيارة رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، وصهر أردوغان بيرات ألبيرق، إلى ليبيا؛ حيث واجهت أنقرة اتهامات بإرسال متطرفين بينهم مسلحون من داعش لدعم حكومة الوفاق الإخوانية (السابقة) بقيادة فائز السراج ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر.

 وفي غالب الظن، كان اعتقال علوي يستهدف إعطاء انطباع بأنّ حكومة أردوغان تشنّ بالفعل حملة قمعية ضد المتطرفين، ولا ترسلهم إلى ليبيا، بحسب الموقع السويدي.

 

وزارة الخزانة الأمريكية تُقدر في تقرير لها الاحتياطيات النقدية لداعش في تركيا بنحو (100) مليون دولار، يستخدمها التنظيم بكلّ سهولة

 

وأظهرت وثائق أنّ علوي عمل "قاضياً" بداعش في أعزاز السورية قرب الحدود التركية لمدة (3) أعوام، عندما كانت المدينة واقعة تحت سيطرة التنظيم.

وطبقاً لملف القضية بالمحكمة الجنائية العليا السابقة في غازي عنتاب، تعرّف شاهدان على علوي، وأكدا أنّه "قاضٍ" بداعش، وقال أحدهما، وهو سوري يُدعى محمد علي: إنّه رأى علوي مع مسلحي داعش في بلدة الراعي السورية، لافتاً إلى أنّ علوي نظر في قضيته بمحكمة دينية لأنّه كان يبلّغ تركيا بأنشطة داعش، وبعبارة أخرى، كان مخبراً للاستخبارات التركية.

وفي سياق متصل، صنّف التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2020 تركيا على أنّها "بلد عبور ومصدر للمقاتلين الإرهابيين الأجانب"، وقد ردّت أنقرة بانتقاد التقرير، ووصفه بأنّه "منقوص ومنحاز".

ورغم أنّ تركيا جزء من التحالف ضد "داعش"، و"المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، فإنّ التقرير الأمريكي قال إنّها مصدر وبلد عبور للمقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يرغبون في الانضمام إلى "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى التي تقاتل في سوريا والعراق، ومن يريدون مغادرة هذين البلدين، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".

 

موقع ويكيليكس نشر عام 2016  (58) ألف رسالة إلكترونية، توثق العلاقات بين عائلة أردوغان وتنظيم داعش الإرهابي

 

وحول التقرير الذي صدر منتصف العام الماضي، صرّحت رئيسة المجموعة البرلمانية لـ"حزب الشعوب الديمقراطية" التركي المعارض (المؤيد للأكراد) ميرال دانيش بيشتاش، صرّحت أنّ تركيا معروفة في المجتمع الدولي بأنّها أكبر شريك وصديق لـ"داعش"، وأنّها وُضعت على القائمة الرمادية؛ لأنّها لا تعيق حركة التمويل الدولي لتنظيمي "داعش" و"القاعدة".

واتّهمت بيشتاش حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بتفويض العصابات المسلحة، بداية من "أحرار الشام"، حتى "داعش"، لقتل الأكراد نيابة عنه في شمال شرقي سوريا.

وأضافت: "إنّه لأمر مخزٍ أنّ زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قُتل هنا أو في أسفل الحدود التركية. العالم كله يلوم حزب العدالة والتنمية على علاقاته مع داعش. إنّ تركيا تحت قيادة (الرئيس رجب طيب) أردوغان مدرجة في قائمة جرائم الحرب للأمم المتحدة".

وقدّرت وزارة الخزانة الأمريكية في تقرير لها الاحتياطيات النقدية لداعش في تركيا بنحو (100) مليون دولار، يستخدمها التنظيم بكلّ سهولة؛ لأنّ النظام المالي التركي يغضّ الطرف عن تهريب الأموال.

تقرير الوزارة الأمريكية الذي رصد تحويل أموال من تركيا إلى عناصر داعش في سوريا سبقه إدراجها لأتراك على قائمة دعم الإرهاب في تموز (يوليو) 2020، منهم عدنان محمد أمين الراوي وآخرون يقدّمون الدعم المالي واللوجستي للتنظيم الإرهابي.

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 كشفت الوزارة أسماء (6) شركات وأشخاص في تركيا تورّطوا في تقديم الدعم إلى داعش، وتمّ فرض عقوبات عليها.

 

مخابرات الاتحاد الأوروبي تتهم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بتكليف تنظيم داعش الإرهابي بتنفيذ مذبحة أنقرة في تشرين الأول 2015

 

وفي الإطار ذاته، نشر ويكيليكس عام 2016  (58) ألف رسالة إلكترونية توثق العلاقات بين عائلة أردوغان وتنظيم داعش الإرهابي.

واتّهم تقرير أوروبي حكومة الرئيس أردوغان بتكليف تنظيم داعش الإرهابي بتنفيذ تفجير نفّذه انتحاريان أثناء مسيرة نُظّمت في العاصمة أنقرة عام 2015؛ ممّا أسفر عن مقتل (103) أشخاص، ويُعدّ أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ تركيا المعاصر، وفق وكالة "فرانس برس".

وذكرت صحيفة "زمان" التركية المعارضة آنذاك أنّ تقريراً سرّياً لمخابرات الاتحاد الأوروبي اتهم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بتكليف تنظيم داعش الإرهابي بتنفيذ مذبحة أنقرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2015.

فهل يواصل نظام العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التعاون مع داعش لتحقيق مآربه؟ وهل يمكن اعتبار أنّ الأحداث التي شهدتها تركيا عبارة عن محاولة لتمويل تلك العلاقة المشبوهة مع التنظيم الإرهابي؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية