من وجوه حرب غزّة

من وجوه حرب غزّة

من وجوه حرب غزّة


01/11/2023

كان هناك دائما من يشكك في علاقة “حماس”، وهي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين، بـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. بعد ذهاب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى نيويورك وإيحائه بأن بلده يستطيع أن يكون الوسيط  في قضية الرهائن الإسرائيلية الذين تحتجزهم “حماس”، لم يعد من شكّ في أن العلاقة بين طهران و“حماس” علاقة عضوية. كلام عبداللهيان واضح كلّ الوضوح. فحواه أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” تمتلك نفوذا كبيرا لدى “حماس”. مثل هذا النفوذ يسمح لها بأن تكون الطرف الذي يسعى إلى الاستفادة إلى أبعد حدود من تدمير غزّة والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطيني. أكثر من ذلك، كشفت مواقف الوزير الإيراني كيفية استغلال طهران لحرب غزّة من أجل تصفية حسابات مع دول عربيّة عدّة بعدما ظهرت حقيقة العلاقة الإيرانيّة بتنظيم الإخوان المسلمين ودرجة التنسيق بينهما.

ثمة وجوه متعددة لحرب غزة التي سمحت لإسرائيل بممارسة وحشية ليس بعدها وحشية في تعاطيها مع الفلسطينيين فيما يقف العالم متفرجا. من بين الوجوه المتعددة لحرب غزّة استغلال جهات معيّنة لدماء الفلسطينيين الأبرياء من شيوخ وأطفال ونساء من أجل شنّ حملات على دول عربيّة اتسمت تصرفاتها دائما بمقدار كبير من العقلانية والموضوعيّة والواقعيّة في آن. سعت هذه الدول العربيّة في كلّ وقت إلى دعم القضيّة الفلسطينية ودعم خيار الدولتين على وجه التحديد. هذه دول عملت دائما من أجل فلسطين والفلسطينيين ولم تتاجر بقضيتهم كما فعل النظام السوري، المدعوم من إيران، الذي هجّر فلسطينيي مخيّم اليرموك القريب من دمشق عندما تطلبت مصلحته ذلك.

حرب غزة التي سمحت لإسرائيل بممارسة وحشية ليس بعدها وحشية في تعاطيها مع الفلسطينيين فيما يقف العالم متفرجا.

المؤسف أنّ حرب غزّة التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني توفّر فرصة لشن حملات على دول مثل الأردن والإمارات العربيّة المتحدة بهدف واضح. يتمثل هذا الهدف في عرقلة أي توجه لإيجاد مخرج سياسي

المؤسف أنّ حرب غزّة التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني توفّر فرصة لشن حملات على دول مثل الأردن والإمارات العربيّة المتحدة بهدف واضح. يتمثل هذا الهدف في عرقلة أي توجه لإيجاد مخرج سياسي يصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة التي يختزلها المشروع الوطني الفلسطيني الذي سعى ياسر عرفات إلى تحقيقه قبل توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 وبعد توقيع الاتفاق. هذا المشروع الوطني الفلسطيني أقره المجلس الوطني عندما اجتمع في الجزائر في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1988.

مخيف هذا المشهد الشرق أوسطي والخليجي الذي يشهد محاولة للخلط بين الحق والباطل. من بين ما هو باطل الحملات التي يشنها الإخوان المسلمون، الذين تنتمي إليهم “حماس”، عبر وسائل إعلامية معيّنة من أجل الإيحاء بأن سلاح الجو الإماراتي شارك سلاح الجو الإسرائيلي في توجيه ضربات إلى غزة. كلّ ما في الأمر أن هناك تضليلا ليس بعده تضليل يستهدف الإساءة إلى دولة الإمارات التي أقامت علاقات مع إسرائيل، مع توقيع الاتفاق الإبراهيمي في العام 2020. تبين بكل وضوح مدى النفاق الذي تمارسه قناة تلفزيونية فرنسيّة عرضت شريطا يعود إلى آذار – مارس من العام 2017 لمناورات في الأجواء اليونانية شاركت فيها طائرات من عشرين دولة، بينها اليونان والولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل. خلطت بين الشريط القديم وما يحدث في غزّة الآن. في المقابل، لا يمكن حجب واقع يتمثل في أن الإمارات عملت كل ما تستطيع منذ اليوم الأوّل لنشوب حرب غزة من أجل وقفها ومن أجل تقديم كلّ الدعم للشعب الفلسطيني بغية إخراجه من محنته. تكفي العودة إلى المناقشات التي شهدتها جلسات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتأكد من ذلك والتأكد خصوصا من أن هناك من يريد الخير للفلسطينيين… وهناك من يريد المتاجرة بقضيتهم. ليس الحلف القائم بين النظام الإيراني والإخوان المسلمين سوى مثال حيّ على الرغبة في المتاجرة بدماء الفلسطينيين.

لا تقتصر الحملة التي تستهدف الإمارات على الشريط الذي يعود إلى العام 2017 وتصويره على أنّه من العام 2023 .توجد خطة إعلامية واضحة، وراءها جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع طهران، لتشويه صورة كلّ دولة عربيّة ساهمت تاريخيا في دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في استرجاع حقوقه بعيدا عن الشعارات الطنانة التي لا تطعم خبزا.

ما ينطبق على الإمارات ينطبق أيضا على الأردن حيث لم يتوقف الملك عبدالله الثاني عن المناداة بضرورة قيام دولة فلسطينيّة. من يتذكّر الخطاب المشهور للعاهل الأردني أمام مجلسي الكونغرس في السابع من آذار – مارس من العام 2007، والذي ركّز فيه على ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلّة مذكّرا الإدارة الأمريكية وقتذاك بأن السلام والاستقرار الإقليميين يتطلبان ذلك.

يُكافأ الأردن حاليا على موقفه الصلب في مواجهة العقاب الجماعي الإسرائيلي للشعب الفلسطيني عن طريق حملة تشنّها عليه إيران عبر العراق. ليس سرا أن ميليشيات عراقية من “الحشد الشعبي” تابعة لـ“الحرس الثوري” كانت وراء محاولة لعرقلة تزويد الأردن بالنفط العراقي بأسعار مدعومة. أفاقت هذه الميليشيات، التي وصلت إلى الحكم في العراق على ظهر دبابة أمريكيّة، على أن المملكة الهاشمية مرتبطة باتفاق سلام مع إسرائيل. ما هذه المفارقة المتمثلة في استهداف الإمارات والأردن ودول عربيّة أخرى والتي تشارك فيها ميليشيات مذهبيّة عراقيّة تدعي محاربة “الشيطان الأكبر” الأمريكي وتتناسى في الوقت ذاته أنّه وراء تسليم العراق إلى إيران، كما أنّه وراء وجودها في صلب السلطة في العراق؟…

بعد إعلان وزير الخارجية الإيراني من نيويورك التي جاء إليها للمشاركة في النقاشات الدائرة في مجلس الأمن، لم تعد من حاجة إلى طرح أسئلة من أي نوع. قال عبداللهيان بالحرف الواحد إنّ “حماس مستعدة لإطلاق جميع الرهائن في مقابل إطلاق ستة آلاف أسير فلسطيني”. لم تعد العلاقة بين “حماس” و“الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران سرّا من الأسرار أو لغزا من الألغاز. بات لـ“حماس” عنوان. هذا العنوان هو طهران. ظهر بوضوح من الذي استثمر في حرب غزّة ومن يريد تحقيق مكاسب سياسية من خلال تلك الحرب… التي يذهب ضحيتها فلسطينيون أبرياء.

مواضيع ذات صلة:

- العدوان الإسرائيلي يتسبب في انقسام الدول الأوروبية... ما أسباب دعم بعضها الاحتلال؟

-كيف مهد الإخوان لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء؟

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية