تراجع ثقة "القسّام" بأنقرة يدفعها لأداء أدوار ثانوية في حرب غزّة

تراجع ثقة "القسّام" بأنقرة يدفعها لأداء أدوار ثانوية في حرب غزّة

تراجع ثقة "القسّام" بأنقرة يدفعها لأداء أدوار ثانوية في حرب غزّة


24/10/2023

سركيس قصارجيان

بعد مرور أكثر من أسبوعين على الحرب، التي بدأت بهجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ورد إسرائيل عليه، لا تزال أنقرة تحافظ على دبلوماسيّتها النشطة، لكن الهادئة والمضبوطة في الوقت ذاته، ساعية إلى لعب دور الوسيط أكثر منه المجاهرة بالدعم المفتوح لحماس كما كان الوضع في السنوات الماضية.

الخطوة العملية الوحيدة من قبل الحكومة التركية حتى الآن بما يخص حرب غزّة تمثّلت في الإعلان عن عرض مسلسل "فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي" خلال الأيام المقبلة عبر شاشة قناة "تي ري تي" الرسمية.

وساطة لإنقاذ الرهائن

تقول إسرائيل إن "حماس" تحتجز 199 رهينة. وبينما تبدو أدوار مصر وقطر وإيران أكثر أهمية في السعي إلى وقف لإطلاق النار، فإن جهود تركيا قد تكون فعالة بالنسبة لملف الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" ومنهم مواطنون من العديد من الدول الأخرى بعد هجومها على مهرجان الموسيقى الدولي. ومن غير المعروف ما إذا كان العدد الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي يشمل الرهائن الأجانب أم لا.

وبينما حاولت تركيا استخدام لغة حذرة في الأيام الأولى بعد الهجمات التي فاجأت إسرائيل ودول المنطقة على حد سواء، فإنها تبذل جهوداً لمنع توسع التوتر إلى المنطقة بأكملها وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، إضافة إلى إنقاذ الرهائن.

لكن مهمة مثل الوساطة تبدو صعبة بالنسبة لأنقرة في هذه المرحلة، فيما أن أولوية العواصم الأجنبية في هذه المرحلة بالنسبة لأنقرة تتمثّل في سعيها لمنع توسّع نطاق الحرب في المنطقة.

في هذه الأثناء، تتواصل الاتصالات  مع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يستخدم لغة أكثر حذراً من قبل، ما يشجّع الدول الغربية التي تحاول الاتصال بجميع الجهات الفاعلة والقادرة على التأثير على "حماس"، لتكثيف تواصلها مع أنقرة، إلى جانب كل من الدوحة والقاهرة.

واستقبلت تركيا العديد من قادة حماس الذين تم اطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية في الماضي، وعلى الرغم من رحيلهم "أو ترحيلهم" من أراضيها لاحقاً إلا أنها استمرت في الحفاظ على علاقاتها مع القادة المؤثرين في الحركة. كما أنّها تقدّم مساعدات متواترة لغزّة، ما يجعلها قادرة على لعب دور ما في الجانب المتعلّق من حماس في الملف الفلسطيني.

وكان التقارب بين أردوغان وحماس، وخاصة بعد انتخابات عام 2006 في فلسطين وأثناء الربيع العربي، عاملاً في تدهور علاقاته مع إسرائيل. لكن، بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومع تغيّر التوازنات في المنطقة، مالت علاقاته مع الإخوان المسلمين، ومنهم حماس بطبيعة الحال، نحو البرودة، بالتزامن مع دخول أنقرة في عملية تطبيع مع تل أبيب.

وعلى الرغم من إطلاق سراح بعضهم بتدخل من بعض البلدان، فمن المتوقع أن تطول أزمة الرهائن، التي تبدو الورقة الوحيدة بحوزة حماس للتفاوض على الخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر.

في غضون ذلك، عيّنت الولايات المتحدة السفير ديفيد ساترفيلد، الذي عمل سابقًا في أنقرة، "ممثلًا خاصًا للولايات المتحدة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط". ويعتقد أن ساترفيلد، الذي يعرف تركيا جيدًا، يمكن أن يلعب دورًا في أزمة الرهائن بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية.

لا حظوظ لأنقرة في وساطة لوقف اطلاق النار

تحاول أنقرة استغلال أفضلية كونها إحدى الدول القليلة جداً المحافظة على علاقتها مع حماس، للانخراط في وساطة لوقف الحرب، لكنها لا تزال غير قادرة على مجاراة الدور والثقل الذي تتمتع به كل من مصر وقطر في الملف الفلسطيني، والتأثير الذي تمتلكه إيران في قرار السلم والحرب.

السعي التركي للوساطة من أجل إنهاء الحرب لا ينطلق من رغبة أنقرة في الاحتفاظ بوزنها الإقليمي ودورها في الملف الفلسطيني فقط، بل يتزامن أيضاً مع رغبتها الكبيرة في انجاز عملية التطبيع مع تل أبيب بأسرع وقت ممكن، وهي عملية تبدو صعبة في ظل استمرار أزمة الرهائن، والمأساة الإنسانية في غزة وإطلاق حماس المستمر للصواريخ ضد إسرائيل، ما يفسّر الجهد التركي لإنهاء هذه الأحداث في أسرع وقت ممكن والحيلولة دون تضرر علاقاتها الناشئة مع إسرائيل.

وعلى الرغم من صعوبة انخراط أنقرة في دور وساطة شاملة بين الجانبين، وفي ظل تصميم إسرائيل على تنفيذ عملية الاجتياح البري لغزة، قد تكون تركيا قادرة على لعب دور في ضمان أن تكون محدودة جغرافياً وقصيرة المدّة زمنياً ولا تلامس السقف العالي من الأهداف التي أعلنت عنها تل أبيب والمتمثّلة بالقضاء كلّياً على حركة "حماس".

ويرى الصحفي التركي المتخصص في السياسة الدولية، فهيم تاشتيكين، في حديثه مع "النهار العربي" أن "تركيا، التي تحتضن القضية الفلسطينية من جهة وتحاول التطبيع مع إسرائيل من جهة أخرى، تحاول موازنة موقفها بعناية في مواجهة الحرب التي بدأتها حماس".

وحسب تاشتيكين فإن أردوغان على عكس السنوات السابقة "يستخدم لغة معتدلة (في خطاب إسرائيل) هذه المرة، وعلى الرغم من ممارسته المزيد من الضغوط على إسرائيل بالتوازي مع تدهور الأوضاع في غزة، إلا أنه لم يمنح حماس الدعم الذي كانت تتوقعه".

تركيز تركي على الملفّات الفرعية

في لقاء مع قناة "هابير تورك" الموالية للحكومة التركية كشف رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل عن عدم علم الجناح السياسي المقرّب من أنقرة بالعملية التي خطط لها واختار توقيتها الجناح العسكري في حماس والمتمثلة بقيادة كتائب القسّام المقربة من طهران.

تصريح مشعل يوضّح قليلاً أسباب تراجع حظوظ أنقرة في لعب أدوار كبيرة في الحرب الدائرة اليوم، ما دفع بالدبلوماسية التركية إلى التركيز على ملفّات فرعية في الصراع الحالي كإطلاق سراح الرهائن، ومنع الأزمة الإنسانية في غزة، والحيلولة دون اتّساع رقعة الصراع إقليمياً.

يمكن أن يعزى توجّه أنقرة الحالي والقائم على الهدوء وضبط التصريحات إلى عاملين أساسيين:

أولاً- تراجع القيمة الاستغلالية للقضية الفلسطينية في الرأي العام الداخلي بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، والتي ترى مجموعة من الأتراك في إسرائيل أحد الحلول للتغلّب عليها، وتزايد الحساسية في الداخل تجاه التنظيمات الإسلامية، وخاصة في سوريا والعراق.

تبدو أنقرة مقتنعة بأن معادلة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط تملي علاقات جيدة مع إسرائيل، وبأن تحقيق مصالح اقتصادية من خلال تطبيع العلاقات مع العديد من البلدان العربية، تبقى ناقصة دون تبديد الاضطراب في العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ثانياً- قد ينذر امتناع القسّام عن إبلاغ المكتب السياسي بالعملية وتفاصيلها إلى تراجع ثقة الجناح العسكري بحلفاء المكتب في أنقرة نتيجة اصرارها على التطبيع مع تل أبيب، ما يعني تفوّق تأثير طهران في قرار الحرب على قدرة أنقرة في الوصول إلى وقف لإطلاق النار.

استياء "حمساوي" من الموقف التركي

في اللقاء مع القناة ذاتها أرسل مشعل إشارات عدم رضا من الموقف التركي بكلمات دبلوماسية حيث قال: "أود أن أقول من خلال قناتكم وأن أبدأ بتركيا: تركيا دولة محترمة ولها مكانة كبيرة في قلوب الشعب الفلسطيني. على تركيا في الظرف الحالي وضع ثقلها والتدخّل، يجب أن تتوقف جرائم القتل الإسرائيلية، يجب أن ينتهي حصار غزة..".

وينقل تاشتيكين عن مصدر فلسطيني في أنقرة قوله إن "المنظمات الفلسطينية، بما فيها حماس، غير راضية بشكل عام عن الموقف التركي. حتى السفير الإسرائيلي في أنقرة لم تتم دعوته إلى الخارجية التركية، ولم تتخذ تركيا أي خطوات مختلفة لإظهار رفضها".

قد تكون حالة عدم الرضا هذه السبب الرئيسي في بروز الدور القطري في الوساطة من أجل إطلاق الرهائن على حساب الدور التركي، مع عودة الدور المصري بثقله التقليدي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

في مقال نشره بموقع "المونيتور"، أكد تاشتيكين طلب السلطات التركية "بلطف" من رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية مغادرة البلاد، ما دفع بالمكتب الإعلامي للرئاسة التركية لنشر بيان نفي وتكذيب للخبر عبر حسابه الرسمي في موقع اكس.

لكن تاشتيكين، عاد وأكد لـ "النهار العربي" صحة الخبر وثقته بمصادره من الطرف التركي والفلسطيني قائلاً "كتبت أنّهم (السلطات التركية) طلبوا بلطف من هنية مغادرة البلاد، فيما البيان كذّب أمر أنقرة لهنية بمغادرة البلاد، هذا في الواقع يعني التأكيد من الجهة المعاكسة، كما أن بعض وسائل الإعلام المقرّبة من العدالة والتنمية (موقع Middle Est Eye) في أنقرة أكدت صحة الخبر".

كل ما سبق قد يقوّض من تأثير أنقرة في الملف الفلسطيني ويدفعها لأداء أدوار فرعية بفضل احتفاظها بعلاقات دافئة مع الأطراف المتناقضة، كما الحال في ملف تبادل الرهائن أو رسائل التهدئة بين الغرب وإيران لمنع أقلمة الحرب، لكن دون أن يصل هذا الدور إلى الجلوس حول طاولة وقف إطلاق النار على غرار ما حدث في الحرب السورية في كل من سوتشي وآستانا.

ملاحظة: حاول النهار العربي التواصل مع أكثر من مسؤول في المكتب السياسي أو قيادي لحماس للوقوف على حقيقة الموقف التركي من الحركة وحرب غزّة وادعاءات مطالبة هنية بمغادرة تركيا دون النجاح في التواصل مع أي منهم إما بسبب عدم الرد أو فصل المكالمة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية