شكوكٌ غير ضرورية: ديناميات تطبيع العلاقات بين مصر وإيران وعقباته

شكوكٌ غير ضرورية: ديناميات تطبيع العلاقات بين مصر وإيران وعقباته

شكوكٌ غير ضرورية: ديناميات تطبيع العلاقات بين مصر وإيران وعقباته


30/07/2023

يسعى هذا التحليل إلى تقديم نُبْذَة عامة حول المُحرّكات الكلية التي تُشَكِّلَ أحدث محاولة من جانبي مصر وإيران لاختبار مساعي التطبيع الدبلوماسي بينهما. كما يسعى التحليل إلى النظر في فوائد التطبيع بين الدولتين، في الوقت الذي يقدم وصفاً لأبرز العقبات المحتملة أمام تحقيق هذا الهدف.

دوافع الزخم الذي شهدته العلاقات المصرية-الإيرانية مؤخراً

طغت قضيتان على التكهنات التي سبقت زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى إيران في نهاية مايو 2023، حول ما يأمل السلطان تحقيقه خلال وجوده في طهران: الأولى، سعيهُ للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني وتبادل السجناء. والثانية، التشاور مع المسؤولين في إيران فيما يتعلق بمسار التطبيع الدبلوماسي بين مصر وإيران.

وكان السلطان هيثم قد زار القاهرة قبل وصوله إلى طهران. وكان الجانب الإيراني قد زاد من التوقعات قبل زيارة سلطان عُمان؛ حيث تمثلت الرسالة الصادرة عن طهران في أنّ هذه الزيارة تاريخية، وستُفضي إلى نتائج مهمة. ويتعين النظر إلى هذه البهجة الإيرانية حول التحول في العلاقات مع مصر ضمن سياقها السياسي الصحيح. فقد عبَّر القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي خلال اجتماعه بالسلطان هيثم عن استعداد بلاده الفوري لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، مُشيراً إلى أنّها خطوة مهمة، وجيدة للمنطقة برمتها. لكنَّ هذه البهجة الإيرانية حيال استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر لم تكن ناتجة عن تصريحات خامنئي فقط. إذ تراكمت أدلة خلال الأشهر الأخيرة بأن طهران لا تستخدم عُمان فقط، بل وسطاء آخرين لتقديم عروض السلام إلى القاهرة؛ حيث ارتبط اسم عمّار الحكيم، زعيم "تيار الحكمة الوطني" العراقي بهذه الجهود. ووصفت الصحافة المصرية زيارة الحكيم إلى القاهرة في نهاية مايو الماضي، بأنها تهدف بشكل جزئي إلى الدفع باتجاه "تكامل وتعاون الأمم الأربعة المتمثلة بالأمة العربية والتركية والإيرانية والكردية". لكنَّ الرواية الإيرانية كان لها وجهة نظر مختلفة، زعمت أن الحكيم نقل إلى القاهرة مجموعة من المقترحات الإيرانية، تهدف إلى إطلاق عملية تطبيع دبلوماسي بين البلدين. وأشارت الرواية الإيرانية إلى أن هذه المقترحات جاءت نتاجاً لجولات من المفاوضات المصرية-الإيرانية في العراق وعُمان بمشاركة مسؤولين استخباراتيين من كلا البلدين.

لكنّ وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري ظلّت أكثر حذراً حيال هذا المسار المتفائل، إذ قللت من شان زيارة الحكيم إلى القاهرة. وبدلاً من نشر أخبار عن الجولات السابقة من المفاوضات بين القاهرة وطهران، والتي استضافتها بغداد، لجأت وسائل الإعلام هذه للإشارة فقط إلى "تقارير روسية" حول هذا الموضوع. ويمكن تفسير هذا الجهد المتعمد من وسائل إعلام الحرس الثوري للنأي بالنفس عن هذا الأمر، وتقليل التوقعات المتفائلة بشأنه على أنه حذرٌ قد يعود إلى وجود شكوك في أوساط الحرس الثوري إزاء آفاق التطبيع بين مصر وإيران.

وإذا صح هذا، فإن مثل هذه الشكوك تُعَدُّ غير ضرورية، لكنّها قد تعكس أيضاً عدم رغبة طهران في إعادة توجيه سياستها الخارجية بشكل جوهري. كما أن هذه الشكوك غير ضرورية، لأن طهران ملتزمة بشكل رسمي تجاه خفْض التصعيد، وإقامة علاقات أوثق مع دول المنطقة. والسؤال المطروح: ما هو الشيء الأكثر أهمية من السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع مصر، التي تُعَدُّ أكبر دولة في العالم العربي؟ وبعبارة أبسط: التطبيع مع مصر يتناسب تماماً مع أجندة طهران الراهنة في المنطقة. لكنَّ أوساط الحرس الثوري لا تعتبر ببساطة التطبيع مع مصر مُرجَّحاً. ولهذا عمدت وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري إلى التقليل من آفاق هذا التطبيع. وبدلاً من ذلك، فإن الشكوك لا تتعلق بانفتاح مصر، بل بقدرة إيران على تقديم التنازلات الضرورية لتمكين حدوث تطبيع بين الدولتين. وإذا ما صح هذا، فإن بإمكان المرء أن يجد الدليل الذي يدعم مثل هذه التفسيرات في آخر خطاب آخر لخامنئي حول السياسة الخارجية، أشار فيه إلى عدد من النقاط المهمة الآتية:

1. لا يمكن لاستراتيجية إيران الأساسية في مجال السياسة الخارجية أنْ تتغيّر، لكنْ يتعيّن على إيران استخدام أيّ تكتيك لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

2. التصريح السابق يمكن أن يعني أن أيديولوجية إيران الإسلامية المتشددة لن تتغير، غير أنه يمكن لطهران تغيير خطابها في إطار خطوة تكتيكية، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية بعيدة الأمد.

وإذا صح هذا الفهم، فقد يعني على سبيل المثال أن إيران ستظل تعارض مصر على الأمد البعيد، لكنَّها تعتقد أن هناك ضرورة للتوصل إلى "هدنة" تكتيكية مؤقتة، تُمكِّن طهران من استعادة قوتها قبل المضي قُدُماً في علاقاتها الإقليمية، والتخلُّص من حالة العزلة القائمة. لكنّ خامنئي نصح أيضاً بعدم استخدام "دبلوماسية الاستجداء"، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة والغرب، غير أن جوهر هذه النصيحة ينطبق أيضاً على الدول العربية التي لها تاريخ مضطرب مع إيران، مثل السعودية ومصر والمغرب والأردن. ويشير هذا التصريح إلى أن خامنئي لا يؤمن بقيمة الإفراط في التنازلات سواء مع الغرب، أو مع الخصوم الآخرين، والتي يعتبرها "استجداء".

ومع أن خامنئي حثَّ أيضاً على ضرورة قيام طهران بـ "تقليص" التهديد الذي يمثله الأعداء لإيران، لكنَّه لم يوضح طريقة تقليص هذا التهديد. وفي حالة الولايات المتحدة، لم يكن خامنئي واضحاً إذا ما كان يقصد بذلك مواصلة معاندتها، أو التصالح معها؟ ويتمثَّل التفسير البديل لتصريح خامنئي، بأن بإمكان إيران من خلال تقليص التوتر مع دول المنطقة المؤثرة، مثل مصر، تقويض أجندة واشنطن الرامية إلى عزل إيران إقليميّاً ودوليّاً.

ويتَمَثَّلَ الجانب الآخر لخطاب خامنئي في إعادة تأكيد أنّ إيران ستظل مخلصة لـ "أصدقائها"، والذي قد يعني بأنّ طهران لن تتخلى عن مجموعات مثل "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، و"حزب الله"، و"الحوثيين". وتُعَدُّ هذه القضية – دعم إيران للتنظيمات الإسلامية المسلحة – مهمة للغاية، بحيث سيصعب على مصر تجاهلها خلال عمليّة مراجعة مسار العلاقات مع طهران. وربما تجعل مصر من هذه القضية اختباراً لصدق النوايا الإيرانية. وما لم يعمل الجانب الإيراني على إجراء بعض التعديلات على رعايته للجماعات الإسلامية الراديكالية التي ترى القاهرة بأنها تعمل على زعزعة الاستقرار الداخلي لمصر، ويعيد النظر في التدخل الإيراني الضار في الشؤون العربية، فإن عملية التطبيع مع مصر سوف تتسم بالاضطراب في أحسن الأحوال. وبشكل عام فإن خطاب خامنئي الأخير لخَّص توصياته في مجال السياسة الخارجية بثلاث كلمات: الشرف، والحكمة، والمصلحة. لكنَّ هذه المفاهيم تتسم بالغموض، ولا تقول للقاهرة بأي حال من الأحوال، إن طهران جادة إزاء إعادة تشكيل أجندتها الإقليمية.

ما المختلف هذه المرة؟ فوائد تطبيع العلاقات بين مصر وإيران

من الواضح إذن، أن طهران تأمل بعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع القاهرة، وقد أوضح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أن "هناك قنوات رسمية للتواصل والاتصال المباشر بين الدولتين". مع هذا، يجب أن نتذكر أن إيران ومصر اقتربتا من تطبيع العلاقات قبل سنتين تقريباً، وهو ما لم يحدث. ولذا فإن السؤال المطروح الآن: هل سيكون الأمر مختلفاً هذه المرة؟ 

لعلّ ما هو مختلف بالتأكيد، أنّ تحسُّن العلاقات السعودية-الإيرانية منحَ مصر سبباً قويّاً، وغطاءً سياسيّاً لإعادة النظر في علاقاتها مع إيران. وتعتمد القاهرة كثيراً على الدعم المالي القادم من الرياض وواشنطن. وعندما تسعى الرياض وواشنطن للانخراط مع طهران، وهو ما يحدث الآن بطرق مختلفة فإن حسابات القاهرة سوف يُعاد تشكيلها وفق هذا المُتغيّر الرئيس. والسؤال الآخر: ما هي الدوافع الرئيسة لكلا الدولتين من أجل تطبيع العلاقات؟

ما هو مؤكد في سياق محاولة الإجابة على هذا التساؤل، أن بعض هذه الدوافع اقتصادي. وتمتلك إيران ومصر مجتمعة سوقاً يصل تعداده إلى نحو 190 مليون نسمة، غير أنه لا يوجد أي تجارة حقيقية بين الدولتين حالياً؛ فمن المؤكد على سبيل المثال أن يتوجه السياح الإيرانيون إلى مصر في حال تحسن العلاقات السياسية بين الدولتين. وتميلُ المصادر الإيرانية للمبالغة في احتمال حدوث عمليات سفر ضخمة من جانب السياح الإيرانيين إلى مصر. لكنَّ ما هو أكثر احتمالاً أن يُشَكِّل جزءاً من حسابات مصر يَتَمَثَّلُ في استخدام عملية خفض التصعيد مع إيران، من أجل فتح فرص اقتصادية للشركات المصرية في الدول العربية التي تحظى فيها إيران بالكثير من النفوذ، خاصة العراق وسورية.

وتشتمل مثل هذا الآمال الاقتصادية من جانب مصر على تنفيذ الخطط الاستراتيجية القائمة –مثل حصول مصر على النفط العراقي – أو قيام الشركات المصرية بأداء دور رئيس في مشاريع إعادة الإعمار في سورية. وزعم عدد من التقارير الإيرانية أنّ مصر لا تعتقد أن بإمكانها تعظيم الفرص الاقتصادية في العراق وسورية ما لم تتحسن العلاقات بين القاهرة وطهران. لكنَّ الفوائد السياسية التي ستنتج عن تطبيع العلاقات مع مصر تُعَدُّ أكثر أهمية بالنسبة لطهران. وتزعم حكومة إبراهيم رئيسي المدعومة من القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أنها مصممة على تنفيذ "سياسة الجوار" من خلال الانخراط مع دول المنطقة. وتهدف هذه السياسة في جوهرها إلى تقويض السياسة الأمريكية الرامية للضغط على إيران سياسيّاً واقتصاديّاً، ومحاولة عزلها. وممّا لا شك فيه أن مصر تُعَدُّ جائزة كبرى بالنسبة لإيران في هذا السياق. لذلك فإنّ الدافع الرئيس لتحسين العلاقات مع مصر جيوسياسي، حيث تسير المنطقة برمتها باتجاه خفض التصعيد، ولا يمكن لمصر وإيران الاستمرار في علاقاتهما الفاترة في الوقت الذي يُعَدُّ فيه التعاون هو الاتجاه السائد. كما أنه لا يوجد بين إيران ومصر خلافات رئيسة حقيقية. وتَمَثَّلَ "الخلاف" الرئيس الوحيد في الماضي بالاتهام الذي وجهته القاهرة لإيران بمحاولة "نشر" التشيُّع في مصر. 

بعبارة أخرى، نظراً لعدم وجود خلاف عميق بين مصر وإيران فإن الدولتين الآن أمام فرصة لإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات بين الدولتين. فهل ستؤثر هذه الموجة الأخيرة من حسن النوايا في أرجاء الشرق الأوسط، والتأكيد على خفض التصعيد، والتعاون الاقتصادي على العلاقات المصرية-الإيرانية، وضمن أي نوع من السياق الواقعي؟

وتقول المصادر الإيرانية في كثير من الأحيان: إن "دور إيران الفريد في الخليج وآسيا الوسطى والقوقاز، ودور مصر الفريد في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا" يوفران تقاطعاً جيو-سياسيّاً فريداً لطهران والقاهرة من أجل التعاون. ويقع هذا النوع من التقييم في صلب الاعتقاد بأن القاهرة انتهجت منذ أيام جمال عبد الناصر، سياسة تعزيز وجودها فيما يسمى "المشرق العربي"، أي بلاد الشام، ومنطقة الخليج. وهاتان المنطقتان الجغرافيتان، هما اللتان تحظى فيهما إيران بأقوى نفوذ في العالم العربي، لذلك تقف مصر أمام خيارين اثنين من أجل حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية وغيرها:

1. السعي لطرد إيران خارج هاتين المنطقتين، وهو سيناريو غير واقعي.

2. البحث عن طرق للتعايش مع إيران في هاتين المنطقتين، وهو السيناريو القائم حالياً.

وتُمَثِّلُ سورية حاليّاً أفضل دليل على التفاهم المصري-الإيراني الإقليمي. إذ بالرغم من دعم مصر للمعارضة السورية في بداية الحرب السورية، غير أن طهران شعرت بكثير من الرضا تجاه قبول القاهرة التدريجي لبقاء نظام الأسد المدعوم من إيران في السلطة. وعليه، فإن قبول القاهرة ببقاء نظام الأسد، شَكَّلَ حالة قبول أمر حتمي، وليس تكيُّفاً مع المصالح الإيرانية.

عقبات أمام عملية تطبيع العلاقات

تعود معظم الخلافات بين مصر وإيران إلى أسباب جيوسياسية. ويشمل هذا البعد تنسيق مصر الوثيق لسياساتها مع دول الخليج حول المسألة الإيرانية طوال العقود الماضية. ولا شكّ أن هناك مخاوف في القاهرة إزاء دعم طهران للحوثيين في اليمن، ووجود إيران المتزايد في البحر الأحمر، وما قد ينشأ عنه من تهديدات للأمن البحري المصري، ابتداء بمضيق باب المندب في الجنوب، وانتهاء بقناة السويس في الشمال التي تُعّدُ جوهرة المصالح الاستراتيجية المصرية. وبحسب تقارير إعلامية إيرانية، فإن هذه المسألة شكلت نقطة ثابتة في المفاوضات كلما التقى المسؤولون المصريون والإيرانيون. ويجب توقع تراجع أهمية القلق المصري هذا، طالما ظلت السعودية وإيران منخرطة في عملية انفراج في العلاقات؛ لأن الرياض تشعر أيضاً بقلق إزاء جهود طهران الرامية لزعزعة الاستقرار في البحر الأحمر، وهو ما تتوقع القاهرة أن يُشَكِّل جزءاً من مطالب الرياض تجاه طهران من أجل استمرار الانفراج بين البلدين.

ويمكن الإشارة إلى التحدي بعيد الأمد الذي تشكله خطط إيران لإقامة خط نقل جديد من الخليج إلى روسيا وأوروبا (ممرّ النقل الدولي شمال-جنوب) بالنسبة لقناة السويس، لأن هذا المشروع يروِّج لنفسه على أنه سيعمل على خفض تكاليف نقل السلع، مقارنةً مع الرسوم التي تفرضها مصر على استخدام قناة السويس. لكنَّ "ممر النقل الدولي شمال-جنوب" ليس حقيقة وشيكة على الإطلاق، لذلك من غير المرجح أن يؤثر كثيراً في حسابات القاهرة الحاليّة تجاه طهران.

من جهة أخرى، فإن الضغط الإسرائيلي على مصر حول مسألة إيران، يمكن أن يُشَكِّلَ عامل حسم، وهذا ما تتوقعه طهران على الأقل؛ حيث تتوقع أنّ مصر ستسعى لتطبيع علاقاتها مع إيران فقط طالما أنّ عملية التطبيع لا تُقَوِّضُ التعاون الأمني المهم القائم بين مصر وإسرائيل منذ سنوات. مع ذلك، من المرجّح أن تعمل القاهرة على ترك مسافة كافية بينها وبين إسرائيل في المسألة الإيرانية، لحماية نفسها من أي رَدّ فعل إيراني في حال اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران. لأن مثل هذه الحرب قد تجر تنظيمات مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى الصراع، والذي سيؤثر بدوره بشكل مباشر في مصالح مصر في غزة وأماكن أخرى، وفي أوساط الفلسطينيين.

الخلاصة والاستنتاجات

على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي بين الطرفين منذ عام 1979، حافظت مصر وإيران على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بينهما على مر السنوات. وعقد عدد كبير من كبار المسؤولين المصريين والإيرانيين اجتماعات طوال السنوات العشرين الماضية، بما في ذلك زيارة وزير الخارجية الإيراني الأسبق منوتشهر مُتّقي إلى القاهرة عام 2004، في ذروة التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. 

وحتى في ذروة التوتر في المنطقة – عندما تم الكشف عن الملف النووي الإيراني لأول مرة أمام العالم، وتصاعدَ العنف الطائفي في العراق، واغتيل الرئيس رفيق الحريري، وانتشرت حالة عدم الاستقرار القياسية في لبنان – عملت مصر وإيران على زيادة المشاورات بينهما، لتجنُّب أي سوء فهم، أو توتر بين الطرفين. ويشير هذا الواقع إلى حقيقة أن القاهرة وطهران تمتلكان آليات فعلية لتفادي النزاع عند الضرورة.

لكنْ هذا النوع من آلية خفض التصعيد، لم يتم البناء عليه من الطرفين بشكل جاد بهدف تعزيز التطبيع الدبلوماسي، بل ظلّ يهدف فقط إلى تجنُّب الصراع المباشر في الوقت الذي كانت فيه مصر وإيران تتعاملان مع الشؤون الإقليمية الشائكة من أجل تحقيق مصالحهما. وكانت مسألتان هيكليتان رئيستان تقفان في طريق تطبيع العلاقات بين مصر وإيران:

1. أنّ الجانب الإيراني لم يتخلَّ وبشكل جاد عن تقديره السلبي لدور الجيش المصري الذي يُشَكِّل الدعامة الأساسية للقوة في القاهرة. وعندما اندلع "الربيع العربي" دعم خامنئي صراحةً المعارضة المصرية، وهو شيء لم يفعله بالفعل مع الانتفاضات العربية الأخرى.

2. ظلّت المسألة الأكثر أهميّة بالنسبة لمصر حول الملف الإيراني تتمثّلُ في إرضاء الولايات المتحدة، ودول الخليج، وإسرائيل، ما يعني أن السياسة التي انتهجتها القاهرة تجاه طهران استهدفت السعي إلى احتواء إيران وعزلها. وهذا الواقع المصري الأساسي لم يتغير كثيراً خلال الفترة القصيرة التي وصل فيها "الإخوان المسلمون" إلى السلطة في القاهرة (2011-2013).

ويتمثَّل السؤال اليوم فيما إذا كانت هاتان العقبتان الهيكليتان، ما زالتا موجودتين، كما كان عليه الحال في الماضي. وهناك تقييمات في طهران تُشير إلى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لم يتبنَّ أبداً موقفاً قويّاً معادياً لإيران (على الأقلّ فيما يتعلق بسورية، و"حزب الله") إضافة إلى أنّ السيسي منفتح على التطبيع مع إيران. ويحظى هذا التوجه بدعم إقليمي في ظلّ التقارب السعودي-الإيراني؛ الأمر الذي يزيد من صعوبة تجنُّب القاهرة الانضمام إلى ركْب خفْض التصعيد في المنطقة.

وربما ترى القاهرة أن طهران تحظى بنفوذ حتمي على التنظيمات الفلسطينية المسلحة (حماس والجهاد الإسلامي)، لذلك فإن فإنها قد تقبل بأن تؤدي طهران دوراً في تشكيل السياسات الفلسطينية، وعلى نحوٍ لا يُهدد الأمن القومي المصري. وفي غضون ذلك، وضمن تصريحاته الأخيرة، فإن دعوة خامنئي للتطبيع لم تطرح أي شروط مسبقة. وتشير مثل هذه الحقائق الجديدة، إلى أن التطبيع بين القاهرة وطهران، ربما لم يتحقق بعد، غير أنّه لم يقترب إلى هذا الحدّ من إمكانيّة الحدوث في الذاكرة القريبة.             

عن "مركز الإمارات للسياسات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية