ما هي أسباب تضاؤل النشاط الإرهابي في شمال أفريقيا؟

ما هي أسباب تضاؤل النشاط الإرهابي في شمال أفريقيا؟

ما هي أسباب تضاؤل النشاط الإرهابي في شمال أفريقيا؟


20/06/2023

يقدّر باحثون وخبراء استراتيجيون أنّ وضع الجهادية في شمال أفريقيا عام 2023 صعب جداً مقارنة بالحركة الأوسع. ففي هذه المرحلة، حسبما يقول الباحث هارون ي. زيلين، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لم يعد لتنظيم "القاعدة" وجود نشط في المنطقة. صحيح أنّ قادة الجماعة يواصلون إطلاق الدعاية، ولا سيما في محاولة للاستفادة من الحراك في الجزائر في السنوات الأخيرة، لكنّ تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لم يعلن مسؤوليته عن أي هجوم في الجزائر منذ شباط (فبراير) 2018. وعلى نحو مماثل، لم تعلن "كتيبة عقبة بن نافع" التابعة لفرع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في تونس مسؤوليتها عن أي هجوم منذ نيسان (أبريل) 2019، كما تعثرت أنشطة الدولة الإسلامية في المنطقة ككل. وبصرف النظر عن الهجمات القليلة البارزة والحملة الإرهابية المنخفضة المستوى في الجزائر بين عامَي 2014 و2020، فإنّ الصورة قاتمة أيضاً في ليبيا وتونس اللتين كانتا ذات يوم معقلين موثوقين للحركة.

ملاذات آمنة

وكانت القارة الأفريقية شهدت خلال السنوات الأخيرة تصاعد في ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، مما أسهم في تفاقم التحديات والتهديدات التي باتت شعوب الدول الأفريقية والحكومات تواجهها خاصة في ظل انتشار هذه الظاهرة التي لم يسلم إقليم من قارة أفريقيا من وجودها، فتحولت أجزاء واسعة من أراضي القارة ولاسيما منطقة الساحل الأفريقي، إلى ملاذات آمنة تحتضن العناصر الإرهابية وساحات لتدريب هذه العناصر، وفق الباحثة المصرية رشا السيد عشري، في مقالها "معضلة الأمن في الساحل والصحراء ما بين تراجع داعش وتقدم بوكو حرام"، في مجلة "آفاق أفريقية".

هارون ي. زيلين: لم يعد لتنظيم "القاعدة" وجود نشط في المنطقة

وقد قاد ظهور التنظيمات والميلشيات الإرهابية المسلحة، في تلك المنطقة، إلى دخولها في صراعات ممتدة مع حكومات دول المنطقة، على النحو الذي أدى إلى تواتر سلسلة الانقلابات العسكرية في بعض الدول كحال دولة مالي التي شهدت على مدار فترة قصيرة انقلابين عسكريين خلال عامي 2020 – 2021 كما شهدت أيضاً بوركينا فاسو انقلاباً عسكرياً عام 2022، بالإضافة إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد رئيس النيجر محمد بازوم في 31 آذار (مارس) 2021 قبل ساعات من تنصيبه رئيساً للجمهورية، بحسب "إندبندنت عربية". وفي ضوء تصاعد أعمال التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الأفريقي، أصبحت هذه المنطقة واحدة من أعنف المناطق عالمياً وفقاً لتقارير مؤشر الإرهاب العالمي الصادرة سنوياً عن معهد الاقتصاد والسلام.

في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011، أصبح شمال أفريقيا (ليبيا وتونس على وجه الخصوص) بؤرة للتعبئة الجهادية على نطاق واسع

وفي أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011، أصبح شمال أفريقيا (ليبيا وتونس على وجه الخصوص) بؤرة للتعبئة الجهادية على نطاق واسع. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من عقد، ساد هدوء نسبي في كل من البلدين والمنطقة بشكل عام، على الأقل في ما يتعلق بالجهادية، وذلك خلافاً للقوة المتنامية للحركة الجهادية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. يساعد استشفاف تطور الحركة ووضعها الحالي في شمال أفريقيا على تقديم نظرة ثاقبة تسبر آفاقها المستقبلية.

تراجع حدّة الجهادية

ورغم أنّ الجهادية في ذروتها في شمال أفريقيا بين عامَي 2011 و2016 إلا أنّ حدتها تراجعت بشكل علني، لكن قد تعود في ظل الظروف المناسبة، وفق تقدير الباحث زيلين، في مقاله الذي نقله موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن موقع مؤسسة هوفر.

رغم انخفاض مستوى التهديد الإرهابي في منطقة شمال أفريقيا، تعد ظاهرة الإرهاب وتحديداً في دولتي مالي وبوركينا فاسو، أحد أبرز التحديات والتهديدات العابرة للحدود

وبما أنّ حكومات الجزائر والمغرب وتونس تعلن عادة عن أي اعتقالات تتعلق بالإرهاب أو الجهادية، فمن الممكن تتبع النطاق الأوسع لمجموعة المشاكل التي تتجاوز الهجمات الفردية. ويوضح التحليل الكمي للبيانات أنّ الأفراد ما زالوا مهتمين بالتخطيط لهجمات محلية ومحاولة الانضمام إلى منظمات إرهابية أجنبية في الخارج، حتى لو كانت هذه الجهود لا تشكل نوعاً من الحملة المنسقة التي شوهدت في الأعوام السابقة. على سبيل المثال، ابتداءً من 22 أيار(مايو) 2023، نفذت الجزائر 25 حالة اعتقال تتعلق بالإرهاب حتى الآن، بينما نفذ المغرب 7 اعتقالات وتونس 56 اعتقالاً. وتطغى أيضاً القضية المستمرة المتعلقة بالمحتجزين بسبب ارتباطهم بتنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ يُحتجَز حالياً مئات من الرجال والنساء والأطفال من دول شمال أفريقيا من الذين انتموا سابقاً إلى التنظيم، طوعاً أو قسرياً، سواء في السجون أو مخيمات النازحين داخلياً في شمال شرق سوريا.

تأهيل المحتجزين

ومن دون آليات مناسبة لإعادتهم إلى أوطانهم وإعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع في المستقبل، يمكن، وفق الباحث زيلين، أن يشكل هؤلاء المحتجزون معضلات أمنية جديدة وتهديدات لدول شمال أفريقيا. لذلك، حتى لو كانت الجهادية في شمال أفريقيا قد وصلت على الأرجح إلى أدنى مستوى لها من النشاط منذ بعض الوقت، من الضروري إبقاء التركيز على هذه القضية، لأنّ أي ديناميات متغيرة يمكن أن تغير مستوى التهديد الذي تشكله على المنطقة ككل وعلى السكان المحليين أيضاً.

حكومات الجزائر والمغرب وتونس تعلن عادة عن أي اعتقالات تتعلق بالإرهاب أو الجهادية

ورغم انخفاض مستوى التهديد الإرهابي في منطقة شمال أفريقيا، تعد ظاهرة الإرهاب وتحديداً في دولتي مالي وبوركينا فاسو، أحد أبرز التحديات والتهديدات العابرة للحدود التي تواجهها المنطقة، خاصة وأنّ الأخيرة تعد واحدة من أكثر المناطق تضرراً من ممارسات الجماعات والتنظيمات المسلحة في العالم، والتي أدت إلى عدم الاستقرار الذي تعانيه هذه الدول، لاسيما وأنّ سماتها الجغرافية المعقدة جعلت من الصعب السيطرة على الحدود "الرخوة" في ظل العلاقات بين التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، والعصابات الإجرامية، وخاصة في كل من تهريب البشر وتجارة الأسلحة والمخدرات، كما تقول الباحثة د. شرين محمد فهمي، في دراسة نشرها الموقع الإلكتروني لمعهد تريندز للبحوث والاستشارات.

لذا، تنتعش اقتصاديات الحدود على جانبي خطوط الحدود لكل من مالي وبوركينافاسو، ولا تزال تعاني الدولتان العديد من معضلة الافتقار إلى التجانس الثقافي وتعدد المعتقد الديني، إلى جانب التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة، والتي تفاقمت، كما ترصد فهمي، بسبب تداعيات جائحة كورونا، على نحو يجعل المنطقة هشة وبيئة مناسبة لتغلغل الجماعات الإرهابية في داخل البلاد، فضلاً عن سلسلة الانقلابات العسكرية (العدوى الانقلابية) التي تعمق من موجة عدم الاستقرار الممتد ليس في منطقة الساحل فحسب بل في أنحاء القارة الأفريقية كلها.

مواضيع ذات صلة:

أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية