مراكز دراسات التطرف وصناعة القرار السياسي

مراكز دراسات التطرف وصناعة القرار السياسي

مراكز دراسات التطرف وصناعة القرار السياسي


03/10/2022

منير أديب

مشكلتنا في المنطقة العربية إزاء مواجهة ظاهرة العنف والتطرف، هي عدم وجود عدد كافٍ من مراكز دراسات ظاهرة الإرهاب والتطرف؛ فهي أكبر وأخطر مما هو متاح لمواجهتها من إمكانات لوجستية توفر القراءة الدقيقة لها، فضلاً عن تحليلها بالشكل الكافي، الذي يتيح لها فرصة المواجهة من طريق العلم والدراسة والتحقق.

مهمة مراكز دراسات التطرف هي التعرف إلى الظاهرة من قرب بعيداً من الخطابات الإعلامية أو التسويقية؛ فما يُنشر في مطبوعات هذه المراكز هو الأقرب إلى واقع هذه التنظيمات، وما لا تنشره المراكز وتتحفظ عليه قد يفوق المنشور مرات عدة في حجمه وأهميته على حد سواء، فتأخذ مثلاً هذه الأبحاث والدراسات وتقديرات المواقف مكانها حتى يستفيد بها صانع القرار السياسي والأمني.

التنظيمات المتطرفة شديدة التحول، فضلاً عن تعرضها لتغيرات نتيجة المواجهة الأمنية والعسكرية، وهنا تتغير قيادة هذه التنظيمات بشكل مستمر كما تتغير استراتيجيتها العسكرية وفق متطلبات المرحلة وطبيعة الأهداف التي ترصدها القيادات الجديدة لهذه التنظيمات... كل هذا يتطلب قراءة عميقة ودقيقة ومستمرة، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال مراكز الدراسات المعنية.

لا بد من أن تكون مراكز دراسات التطرف والإرهاب مرتبطة بصانع القرار من دون وجود عائق أو وسيط، حتى يتم التعامل مع مخرجات أي دراسة أو تقدير موقف بشكل سريع، فتتم ترجمة الرؤى والتحليلات بصورة صحيحة يمكن الاستفادة منها، كما لا بد من تأهيل الباحثين العاملين في المراكز الموجودة على الساحة ليصبحوا قادرين على العطاء والانتاج في هذه المساحة.

نحن لدينا مشاكل عدة إزاء مراكز دراسات التطرف والإرهاب، قد يكون أولها عدم كفايتها مقارنة بالظاهرة وخطرها، وثانية عدم وجود باحثين مؤهلين لدراسة الظاهرة ممن التحقوا بعدد من المراكز، وهذا ليس اتهاماً أو تقليلاً من قيمة المراكز أو العاملين فيها، وإنما مدعاة لإعادة التأهيل الدائم والمستمر وعدم استهلاك الباحثين في ما هو غير الكتابة والتحليل والدراسة، فهذه آفة المراكز البحثية.

كثير من المراكز البحثية عندما تعتمد باحثاً أو أكاديمياً ضمن الهيكل الإداري لها، تنشغل عن تدريبه وإكسابه الخبرات اللازمة للقيام بعمله، وهنا التقصير قد يكون مزدوجاً بين دور المراكز البحثية في هذا الجانب تجاه باحثيها ودور الباحثين أنفسهم تجاه أنفسهم؛ فلا يمكن لك كباحث أن تواجه تنظيماً يمر بتحولات جوهرية عميقة ربما كل ستة أشهر أو أقل وأنت لا تزال مكانك سر في قراءة التنظيم منذ ست سنوات!

هناك عدد من المراكز البحثية يعتمد على عدد من الباحثين ممن التحقوا بصفوفه من دون الاستعانة بإسهامات غيرهم، وفي حال الاستعانة تكون محدودة وغير منتجة، وعندما تتم، تحكمها تعقيدات إدارية واختيارات... الكفاءة تكون الشرط الأخير فيها وقد يكون الشرط المنسي أو المستبعد.

الحاجة إلى المراكز البحثية لا تقل عن حاجتنا إلى معلومات جديدة عن التنظيمات المتطرفة؛ فقد تتوافر المعلومات ولكن تغيب الرؤية التوظيفية لهذه المعلومات ومعها يغيب التحليل الرصين؛ والذي يحتاج حاجة إلى المعلومات التي لا يمكن قراءتها إلا بالتحليل، وهنا تبدو أهمية مراكز الدراسات وضرورة توظيفها حتى تبدو منتجة.

تم تدشين عدد من مراكز الدراسات في المنطقة العربية على قدر كبير من الكفاءة في كل من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولعل بعضها تفوق على ما نطرحه، ولكن البعض الآخر لا يزال يتحرك ببطء شديد ولعله لم يحقق المرجو والمأمول منه، فأهمية ما نطرحه في الدعوة إلى إنشاء عدد أكبر من هذه المراكز وإصلاح ما يحتاج إلى ذلك من الموجود على الساحة.

لا يمكن أن نبخس هذه المراكز دورها وحقها في العديد من الكتابات الرصينة، ولكن ما نعتقد أننا في حاجة إليه وهذه المراكز قادرة على القيام به هو دافعنا لمحاولة استنهاضها. قد يكون الإنفاق على هذه المراكز البحثية المتخصصة كبيراً ولكن حجم الانتاج وعمقه قد يكون ضعيفاً ولا يتناسب مع ما هو مطلوب، إذا قارنا حجم ما تنتجه وأهميته مع غيرها من المراكز الأوروبية، مع العلم أن المنطقة العربية هي التي شهدت نشأة ظاهرة الإسلام السياسي، وبالتالي قد نكون الأقدر على قراءتها وتحليلها، ولكن ما يحدث هو العكس.

غياب القواعد الوظيفية والاسترشادية داخل هذه المراكز حتى ولو حضرت الموهبة والإمكانات يضيع معه الهدف، ولذلك أعتقد أن الاصلاح يبدأ بالعمل المؤسسي، فإدارة الفكرة ومناقشتها ثم إنتاجها وفق قواعد واضحة بعيداً عن المحسوبية ووفق باحثين تتوافر عندهم المقومات النفسية والبحثية معاً، قد يساعد في المساهمة والمشاركة وبالتالي يُعطي زخماً في الانتاج المفيد، وما دون ذلك سوف يتحول الباحث إلى موظف يحافظ على مكانه ودخله في المراكز البحثية.

المراكز البحثية في حاجة إلى من يهتم بها ويوفر لها بيئة عمل وإنتاج، كما أن مواجهة الظاهرة تحتاج إليها، فلا يمكن لصانع القرار ولا الحكومات مواجهة التطرف من دون أن تعتمد بشكل حقيقي على عدد كبير من الدراسات وتقديرات المواقف والتحليلات السياسية. وهنا تبدو أهمية العلاقة، ولذلك لا بد من أن تكون إدارة هذه المراكز متجردة إلا من أهدافها التي لا بد أن تحققها بشكل كامل.

عندما يتحقق هذا الأمر سوف تنجح مراكز الدراسات والأبحاث في قراءة هذه التنظيمات وسوف تسبقها في قراءة قرارتها التنظيمية قبل أن تُقدم عليها، وهنا تصبح العلاقة بين هذه المراكز والتنظيمات ليست رصدية فقط، وهذا قد يكون أحد أدوارها وليس كلها، فالدراسات الاستشرافية على قدر كبير من الأهمية، لا تقل عن أهمية تقدير المواقف أو حتى ما تطرحه من رؤى تحليلية تُساعد في تفكيك التنظيمات وأفكارها المؤسسة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية