التحركات الخارجية للرئيس التونسي.. ما دلالات زيارة واشنطن؟

التحركات الخارجية للرئيس التونسي.. ما دلالات زيارة واشنطن؟

التحركات الخارجية للرئيس التونسي.. ما دلالات زيارة واشنطن؟


20/12/2022

وصل الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى العاصمة السعودية الرياض الخميس 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، للمشاركة في قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، التي تستضيفها المملكة العربية السعودية.

وعلى هامش القمة، التقى الرئيس التونسي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبحثا العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات.

وأجرى سعيد محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

وعقب عودته من المملكة العربية السعودية، غادر سعيّد تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، الإثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، للمشاركة في الدورة الثانية لقمة قادة الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا.

مباحثات مكثفة في واشنطن

وفور وصوله إلى الولايات المتحدة، عقد سعيّد اجتماعاً مع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، الذي رحّب بالرئيس التونسي قبيل الاجتماع قائلاً: "إنّه لمن دواعي سروري أن أتمكن من رؤية الرئيس التونسي... لدينا شراكة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وتونس، والشعب التونسي، وهو أمر توليه الولايات المتحدة أهمية كبيرة، لدينا جدول أعمال واسع".

بلينكن كشف عن أبرز محاور الاجتماع، لافتاً إلى أنّ مناقشة شفافية الانتخابات والوضع الاقتصادي على رأس الموضوعات التي توليها واشنطن اهتماماً. مضيفاً: "نتطلع بشدة إلى أن نكون قادرين على العمل معاً في هذا الاتجاه". وأكد في الوقت نفسه على التعاون، طويل الأمد، للعمل من أجل تكريس شراكة فعالة مع تونس.

وصل الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى العاصمة السعودية الرياض الخميس 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري

بدوره، قال الرئيس التونسي إنّ اللقاء يُعدّ فرصة جيدة للحديث عن صحة الروابط التي تربط بين البلدين، مشيداً بالدعم الكامل الذي قدّمته الولايات المتحدة لبلاده، "لا سيّما في مجالات الصحة والتعليم، إمّا مباشرة من حكومة الولايات المتحدة، وإمّا بشكل خاص مع مجموعة البنك الدولي، وكذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بين البلدين".

سعيّد تحدث أيضاً عن العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، وتناول جهود حكومته لمعالجة تداعيات الفساد الذي ضرب البلاد في أعقاب هيمنة حركة النهضة على الحكم قائلاً: "لسوء الحظ ، بدلاً من تلبية احتياجات التونسيين في ذلك الوقت، وخاصّة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، تفاقمت الأمور، وأدى الفساد للأسف إلى انهيار كل المؤسسات السياسية. أكثر من ذلك، لدينا فساد تفاقم، اسمحوا لي أن أذكر هنا ما يتعلق باختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا في تونس، الصوت في المجلس الذي بيع بمبلغ (150) ألف دينار أي حوالي (100) ألف دولار، هذا لمقعد واحد، وهناك عدد من النواب رفعت الحصانة عنهم بعد 25 تمّوز (يوليو)، كانوا أعضاء في شبكات التهريب، وكانوا متورطين بعمق في أزمات وقضايا أخلاقية، هذا بالإضافة إلى الأموال التي تم توزيعها بمناسبة عمل كل قاعدة وكل مشروع".

كشف سعيّد عن محاولات حركة النهضة والحزام الموالي لها للهيمنة على البلاد، وإفساد كلّ شيء، حتى أنّه رأى الناس يموتون في مستشفيات تفتقد إلى الماء والكهرباء والأكسجين بالتزامن مع انتشار جائحة كوفيد-19

وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، لفت سعيّد إلى أنّ الفساد ضرب البلاد بقوة، ولا سيّما الضربات التي وجهت إلى القضاء، موضحاً في الوقت ذاته الضرورات التي حتمت عليه حل البرلمان، وأضاف: "قررت في النهاية حل البرلمان، لم يكن ذلك ممكناً بالنسبة إليّ، لأنّني أرغب في الالتزام بالدستور الذي تم اعتماده في العام 2014، لذلك قررت بدلاً من ذلك تجميد البرلمان في ذلك الوقت، لماذا؟ لأنّ البلاد كانت على شفا حرب أهلية، لذلك لم يكن لديّ بديل آخر سوى إنقاذ الأمة التونسية".

وكشف سعيّد عن محاولات حركة النهضة والحزام الموالي لها للهيمنة على البلاد، وإفساد كلّ شيء، حتى أنّه رأى الناس يموتون في مستشفيات تفتقد إلى الماء والكهرباء والأكسجين، بالتزامن مع انتشار جائحة كوفيد-19، قائلاً: "كانوا يحاولون شراء أضرار وأمراض الناس، وبالطبع كانت وسائل الإعلام تذكر ببساطة عدد الضحايا، حزنت جداً لهذا الأمر، فلم أكن لأقبل أن يموت الناس أمام عيني، بينما يلعب الآخرون على وتر الفوضى في المؤسسات التونسية؛ لذلك اتخذت القرار بناءً على المادة (80) من دستور 2014، لتجميد عمل البرلمان".

سعيّد يرفض الانتقادات الأمريكية

رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم الأربعاء 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري الانتقادات الأمريكية للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها، ودافع عن التحركات التي تقول إدارة بايدن إنّها تهدد الديمقراطية الوليدة في بلاده.

أجرى سعيد محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ

وألقى سعيّد، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، باللوم على "الأخبار الكاذبة" التي شاعت في الانتقادات الغربية الواسعة لخطواته، واتهمته بتعزيز سلطاته الرئاسية، وندد بقوى أجنبية غير محددة، قال إنّها تحاول صنع الاضطرابات في تونس.

الرئيس التونسي قال في اجتماع مع هيئة تحرير "واشنطن بوست" والمراسلين: إنّ "هناك الكثير من أعداء الديمقراطية في تونس، يريدون بذل كل ما في وسعهم لنسف الحياة الديمقراطية والاجتماعية في البلاد من الداخل".

وبحسب الصحيفة نفسها، فإنّ تضارب الروايات الأمريكية والتونسية حول الأحداث التي جرت منذ انتخابات سعيّد في العام 2019، خاصّة بعد تعليق البرلمان في العام 2021، أدّت إلى تصلب المواجهة بين البلدين، حيث سبق أن هددت إدارة بايدن بوقف المساعدات إلى تونس، وبالفعل خفضت إدارة بايدن المساعدات المدنية والعسكرية لتونس بمقدار النصف تقريباً في ميزانيتها المالية للعام 2023.

نزار الجليدي: الدبلوماسية التونسية غادرت الطبيعة البراغماتية وربما المصلحية، لتخوض تجربة جديدة، هي التمحور من منطلقات مبدئية

وعليه تبدو أهمية الزيارة من أجل تحريك الجمود الذي أصاب العلاقات بين البلدين، في ظل الدعاية السياسية التي تمارسها حركة النهضة وحلفاؤها.

من جانبه، خص الكاتب الصحفي التونسي نزار الجليدي "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّ التحولات الإقليمية تفرض على مؤسسة الرئاسة هذا التحرك الواسع، وهو أمر مهم، وإن كان صعباً في ترتيب التوازنات الإقليمية في المنطقة، فلو حافظت على الأعراف الدبلوماسية الموروثة، والتي كانت تتميز بالاستقلالية والواقعية، التي تجعل المصلحة التونسية في المقدمة، فإنّها سوف تكون مطالبة بالتخلي عن المواقف المبدئية في عدد من المسائل، وهذا لن يحدث، وعليه فإنّ تموقع الديبلوماسية التونسية تمليه قراءة مبدئية لا مصلحية، على سبيل الذكر (المسألة الفلسطينية، المسألة الصحراوية، الحرب الروسية الأوكرانية، المشاركة في القمة العربية الصينية...).

وحول القمة الأمريكية الأفريقية، قال الجليدي: إنّ الوفد الذي حضر لهذه القمة كان ذا تمثيل رفيع، علاوة على الموقع الأفريقي لتونس، الذي يجعل من الطبيعي حضورها، لكنّ خطاب قيس سعيّد جاء متماهياً مع ما ألمح إليه في قمة الرياض، من أنّ عصر الاستقطاب المنفرد قد ولى، وأنّ العالم يجب أن يتغير، وأن يكون الإنسان محوره.

الدبلوماسية التونسية، وفق الجليدي، غادرت الطبيعة البراغماتية وربما المصلحية، لتخوض تجربة جديدة هي التمحور من منطلقات مبدئية، والحال أنّ وضعها السياسي والاجتماعي يكرس احتياجها لحلفائها التقليديين، فهي غير قادرة على الفعل والتأثير، ويكون حضورها باهتاً في الوقت الحاضر على ساحة اليبلوماسية الدولية في المنطقة، لكن إلى حين، غير أنّ موقعها الإقليمي والتحالفات الجديدة التي يؤسس لها قيس سعيّد، وليس الفريق الدبلوماسي؛ بسبب ضعف وزير الخارجية والفريق الموالي له في عواصم مهمة، وغياب ما يفوق الـ (20) سفيراً، سوف يعطي لتونس حضوراً مختلفاً في الأعوام المقبلة، وعندها سوف تشكّل رقماً أساسياً في التوازن الإقليمي والأفريقي على الأقل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية