كمال كليجدار أوغلو خيار الضرورة لقطع الطريق على فوز جديد لأردوغان

كمال كليجدار أوغلو خيار الضرورة لقطع الطريق على فوز جديد لأردوغان

كمال كليجدار أوغلو خيار الضرورة لقطع الطريق على فوز جديد لأردوغان


07/05/2023

تتحد القوى العلمانية ورجال الأعمال والإعلام والثقافة في صف واحد من أجل تحرك شامل يقطع الطريق على التجديد للرئيس رجب طيب أردوغان الذي استمر في الحكم لأكثر من عقدين كرئيس للحكومة أو كرئيس، ومع الوقت جعل نظام الحكم في تركيا في قبضة يده كرئيس متسلط.

تبدو البدائل محدودة لدى هذه القوى التي تبحث عن استعادة روح تركيا الحديثة ونموذج كمال أتاتورك وقطع الطريق على أسلمة الدولة وإغراقها في الحنين إلى الماضي العثماني.

الحل الظرفي هو دعم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، الذي ينظر إليه كمرشح للضرورة وليس بديلا حقيقيا لأمة تحتاج إلى روح شابة تعيد تركيا إلى سياسة تصفير المشاكل التي عرفتها في فترة من فتراتها بأن تركز على تطوير ذاتها وتحيي علاقات التعاون والتفاهم مع جيرانها العرب والأوروبيين ومع المحيط الإقليمي والدولي.

وإذا كان كليجدار أوغلو يقدم خيارات الهدوء بوجه إستراتيجية الشعارات واستعداء الكل التي يرفعها أردوغان، فإن الأتراك يريدون شخصية شابة على شاكلة رئيس بلدية إسطنبول الذي قطع قضاء أردوغان عليه الطريق من خلال أحكام قضائية مسيسة وجاهزة.

ويتوق الأتراك، الذين لديهم نشاط غير عادي بالعمل والعطاء، إلى ترك حقبة أردوغان وراء ظهورهم، هل يقدر كليجدار أوغلو على أن يكون بديلا لأردوغان.

وأعلن تحالف الأمة المعارض في تركيا، الذي يضم ستة أحزاب، عن تسمية زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو مرشحاً له في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الرابع عشر من مايو الحالي.

فهل يدخل زعيم حزب الشعب الجمهوري التاريخ من خلال إنهاء حكم أردوغان لتركيا المستمر منذ 21 عاماً وبدء عهد جديد، أم أنه سيصبح “جزءاً من الماضي” بخسارة الانتخابات الأكثر أهمية في تركيا وينسحب من المشهد السياسي؟

ضعف الكاريزما

يقول الكاتب الأميركي بوبي جوش إن كليجدار أوغلو سياسي مخضرم ولكنه يفتقر إلى الكاريزما بشكل واضح، وتدعمه ثلاث شخصيات تتمتع بهذه الصفة بشكل كبير: ميرال أكشينار رئيسة حزب الخير “إيي”، ومنصور يافاش عمدة أنقرة، وأكرم إمام أوغلو عمدة إسطنبول.

وتمثل هذه الشخصيات أقوى تحد يواجهه أردوغان، ويأتي هذا في وقت يجد فيه الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه نفسيهما في موقف ضعيف، فهناك استياء واسع النطاق إزاء الحالة المؤسفة للاقتصاد، وهي ناتجة عن إدارة سيئة للملف الاقتصادي، وغضب بسبب سوء تعامل الحكومة مع تداعيات الزلزال الذي دمر جنوب شرق تركيا في فبراير الماضي.

ويضيف جوش أن استطلاعات الرأي أظهرت تقدم تحالف المعارضة المعروف بـ”تحالف الأمة” على “تحالف الشعب” الذي يقوده حزب العدالة والتنمية. ومن بين من يراهنون على نتيجة الانتخابات، يبدي المستثمرون الأجانب والمتعاملون في السندات دلالات تفاؤل على أن عهد أردوغان ربما يكون على وشك الانتهاء.

فما هي السياسات التي يتبناها زعيم حزب الشعب الجمهوري، والتي تجعل الأتراك يراهنون عليه بديلا لأردوغان بعيدا عن الشعارات.

ما يفعله كليجدار أوغلو حاليا هو الاستثمار في أخطاء الرئيس التركي الحالي، خاصة عداءه للأكراد وحقوقهم. ولا يعرف إن كان الرجل سيقدم مبادرات حقيقية لتمكين الأكراد من حقوق ثقافية وجغرافية وتمثيل فعلي داخل الدولة، أم أنه سيكتفي بالوعود وبخطوات محسوبة بدقة خوفا من إثارة رأي عام ينظر إلى المسألة القومية بقداسة، وتجنبا لأي صدام مع عقيدة المؤسسة العسكرية التي تضع التنازلات لفائدة الأكراد كخط أحمر.

يؤكد كليجدار أوغلو أيضا أنه سيفرج عن صلاح الدين دميرتاش الشخصية الرئيسية في حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والعدو اللدود للرئيس أردوغان، والمسجون منذ عام 2016 بتهمة “الدعاية الإرهابية”.

تريد المعارضة إحياء حرية التعبير وحرية الصحافة، وهذا مطلب سيجمع لكليجدار أوغلو الكثير من الداعمين من إعلاميين وناشطين على مواقع التواصل ممن يريدون تغيير القوانين والمراسيم المعرقلة لنشاطهم، والتي تهدد بسجنهم لكونهم يعارضون أفكار أردوغان وينتقدون سياساته الداخلية والخارجية وتأثيراتها على حياة الناس.

ويريد مرشح المعارضة أيضا إلغاء جريمة “إهانة الرئيس” التي جعلت من الممكن خنق الأصوات المعارضة ووعد الأتراك بأنهم سيكونون قادرين على “انتقاده بسهولة”.

لكن السؤال هل يتبنى كليجدار أوغلو العودة إلى النظام البرلماني بصورته القديمة، والتي تعطي الأولوية للتحالفات الحزبية على نظام رئاسي يراكم الصلاحيات بيد فرد واحد ويسهل طريق الدكتاتورية كما يحصل حاليا مع أردوغان.

نصف علمانية

يريد رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي يدافع عن ميراث أتاتورك ودولته إدراج وضع الحجاب ضمن القانون بهدف طمأنة الناخبات المحافظات اللواتي يخشين أن يقوم حزبه المعروف تاريخيا بمعارضته للحجاب، بتغيير المكتسبات التي تحققت في ظل رئاسة أردوغان.

وقال “سندافع عن حق كل النساء” متعهدا أيضا باحترام “معتقدات ونمط حياة وهويات كل فرد” خلافا لأردوغان الذي غالبا ما يصف المثليين والمتحولين جنسيا بأنهم “منحرفون”.

ومن الواضح أن هذا الموقف “نصف العلماني” يدخل في سياق البراغماتية لمغازلة الشارع المحافظ وشق جبهة أنصار أردوغان. لكنه يمكن أن يهز صورة كليجدار أوغلو أمام جمهوره العلماني وخاصة من النساء والفئات الشبابية التي تريد القطيعة مع ميراث أردوغان.

يرغب رئيس حزب الشعب الجمهوري أيضا في إعادة تركيا إلى اتفاقية إسطنبول التي تفرض ملاحقة منفذي أعمال العنف ضد النساء والتي انسحبت منها أنقرة في 2021.

وتريد المعارضة الوصول إلى “عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي” كما قال أحمد أونال تشفيكوز المستشار الخاص لكليجدار أوغلو. لكن دبلوماسيين ومراقبين لا يتوقعون حصول تقدم على المدى القصير أو المتوسط.

وإدراكا منها بأن أنقرة أزعجت حلفاءها في حلف شمال الأطلسي من خلال إقامة علاقة مميزة مع موسكو منذ عام 2016، فإن المعارضة تريد إعادة تأكيد مكانة تركيا داخل الحلف مع الحفاظ على “حوار متوازن” مع روسيا، وهي على قناعة بأنها قادرة على المساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا.

لكن الأولوية، بحسب تشفيكوز، ستكون إعادة العلاقات مع سوريا، معتبرا أن المصالحة حتمية من أجل ضمان عودة 3.7 مليون لاجئ سوري يقيمون في تركيا، “على أساس طوعي” وفي غضون أقل من عامين. وهو وعد يثير قلق المدافعين عن حقوق الإنسان.

أولوية اقتصادية

إذا ما فاز كليجدار أوغلو بالرئاسة، فسوف يكون قادرا على التخلي عن بعض السلطات التي جمعها أردوغان في يديه وتعزيز المؤسسات التي أضعفها.

وستكون البداية الجيدة استعادة استقلال البنك المركزي الذي أصبح في السنوات الأخيرة خاضعا لسيطرة متزايدة من جانب القصر الرئاسي، حيث تخضع السياسة النقدية الآن لأفكار أردوغان الغريبة عن أسعار الفائدة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في التضخم، وإضعاف العملة، وفقدان ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي.

ووجود بنك مركزي مستقل أمر حيوي لتحقيق إصلاح شامل للاقتصاد التركي، وهو ما ترى جميع أحزاب المعارضة أنه ضروري.

وتتعهد المعارضة بقطيعة مع سياسة أردوغان الذي، خلافا لكل النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، يعتزم مواصلة خفض نسب الفوائد رغم التضخم الذي يفوق نسبة 50 في المئة.

يؤكد التحالف الوطني أنه سيعيد التضخم إلى “دون نسبة العشرة بحلول عامين” وأنه “سيعيد لليرة التركية مصداقيتها” بعدما خسرت حوالي 80 في المئة من قيمتها في خمس سنوات مقابل الدولار.

لكن إردال يالتشين، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كونستانس (ألمانيا)، يقول إن “أيا كان الفائز في الانتخابات، فمن غير المرجح أن يتعافى الاقتصاد التركي بسرعة”.

وكليجدار أوغلو من مواليد عام 1948 في قرية باليجا التابعة لقضاء نظامية في ولاية تونجلي (ديرسم).

كان والده موظفا حكوميا ولم يكن من السهل عليه إعالة أسرة مكونة من سبعة أطفال. وفقا لروايته، لم يكن يملك قميص مدرسة ذات يوم خلال المرحلة الابتدائية فاستعار قميص صديقه لحضور حفلة ألقى خلالها قصيدة.

وبسبب الفقر الذي عاشه كليجدار أوغلو في طفولته وشبابه كان النضال ضد الفقر أهم سبب لدخوله معترك السياسة. وقد تعهد بألا ينام طفل وهو جائع في تركيا عندما يصل إلى الحكم.

أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في إرجيش وتونجلي وجينك وإيلازيغ. وتخرج من مدرسة إيلازيغ الثانوية التجارية.

في تلك السنوات لم يكن يحق لخريجي المدرسة الثانوية التجارية دخول امتحان القبول بالجامعة، لذلك دخل معهد أنقرة للعلوم الاقتصادية والتجارية.

وكان زعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف دولت بهجلي من بين أقرانه في الصف، لكن لم يكن هناك ما يجمعهما على الصعيد السياسي.

وفقا لأصدقائه، فقد كان طالبا مجدا وأراد معلموه أن يبقى في المعهد، لكن بسبب فقر أسرته فضل الحصول على وظيفة في “الحكومة” في أسرع وقت ممكن.

بدأ حياته المهنية في وزارة المالية بعد أن اجتاز امتحان أخصائي الحسابات عام 1971 وأكمل مسيرته المهنية كمدير عام للتأمينات الاجتماعية، وتقاعد منها عام 1999 طواعية.

أما بالنسبة لنشاطه السياسي، فانضم كليجدار أوغلو عام 2002 إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وخاض انتخابات البرلمان التركي في نوفمبر 2002 ثم في أغسطس عام 2007، وفاز بعضوية البرلمان عن الدائرة الثانية في إسطنبول.

ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس 2009، لكنه نال 37 في المئة فقط من الأصوات فخسر المنصب لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية قادر توباش. في العام 2010، انتخبته الهيئة العامة لحزب الشعب الجمهوري رئيسا للحزب بعد استقالة سلفه دينيز بايكال.

ويرأس كمال كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي منذ مايو عام 2010 حتى الآن، وهو معروف بمعارضته الشديدة لرجب طيب أردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم. وهو من أكبر المدافعين عن القيم العلمانية لتركيا وإرث أتاتورك.

يعارض كمال كليجدار أوغلو التدخل التركي في الشؤون السورية، وأعلن أنه سيعيد العلاقات مع الحكومة السورية إذا وصل إلى الحكم.

وانتقد قطع العلاقات مع إسرائيل في عام 2008 لأنها تضر بتركيا وفق تعبيره، قبل عودتها إلى طبيعتها في أغسطس العام الماضي.

وقام كليجدار أوغلو بزيارة إلى العراق في أغسطس عام 2013 التقى فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي آنذاك، ما أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية التركية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية